٣ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

سافرت بعد ذلك إلى "دلهى" ودخلت مدرسة إسلاميّة لأتقن اللغة العربيّة، وكان رئيس المدرسة ‏مولانا عبد الجليل، وهو باتهانى (أفغانى مقيم بالهند)، والثانى كان مولانا فاتح محمد خان من ‏قندهار.‏‎ ‎وبمساعدة هذين السيّدين الكريمين أكملت دراسة علم الكلام، ثم أقبلت على دراسة ‏الأحاديث والتفاسير. وكنت أثناء النهار أدرس مع زملائى، وفى الأمسيات أتلقّى دراسات خاصّة ‏على يدىّ السيّد عبد الجليل. وبفضلٍ من الله امتلكت ناصية العلوم التى كنت أود أن أدرسها.‏

المواجهة الأولى مع المسيحيّين:‏

وذات يوم فى طريق عودتى مع بعض أصدقائى من نزهة، مررت بجماعة كبيرة من الناس ‏مجتمعة على بُعد قريب من مدرستنا. وعندما اقتربت منهم سمعت حواراً يدور عن عقيدة التثليث ‏بين واعظ مسيحى وبعض تلاميذ مدرستنا. وكان الواعظ يحاول أن يبرهن عقيدته فى الثالوث من ‏قول القرآن "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (ق١٦) فقال: إن كلمة "نحن" بصيغة الجمع تدلّ ‏على أنّ وحدانيّة الله وحدانية مركبة، لا وحدانيّة بسيطة. فلو كانت وحدانيّة الله بسيطة لقال "أنا". ‏ولم يقدر تلاميذ مدرستنا أن يجاوبوه. فطلب أصدقائى منى أن أردّ، فتدخلت وقلت: "إن كلمة نحن ‏بصيغة الجمع تدل على الجلال والعظمة".وكانت تلك أوّل فرصة لى ألتقى فيها مع مسيحى فى ‏دائرة الجدال والمناظرة. وتولدت داخلى فى ذلك اليوم رغبة فى مجادلة المسيحيين. وبدأت أجمع ‏الكتب التى تهاجم المسيحية ودرستها بدقة. ثم أخذت أذهب فى أيام معيّنة إلى مكان الحوار ‏لمناقشة الوعّاظ المسيحيّين.‏

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ٤

وذات يوم أعطانى أحد الوعاظ عنوانه وطلب منّى أن أزوره فى بيته مع أى عدد من ‏أصدقائى، فاصطحبت ثلاثة منهم وذهبت إلى بيته، فكان صدوقاً ولطيفاً. وأثناء احتساء الشاى ‏دارت بيننا مناقشة جذابة حول الدين. فسألنى: "هل قرأت الكتاب المقدس؟"‏‎ ‎فجاوبته: "لماذا أقرأ ‏كتاباً تحرّف.. ولا زلتم تغيّرون فيه كل سنة؟!.. "فظهرت على وجه القسيس علامات أسى وقال ‏بابتسامة باهتة: "هل تظن أن كل المَسيحيّين خوَنة؟!.. هل تظن أن مخافة الله ناقصة عندنا حتى ‏أننا نخدع العالم بتغيير كتابنا المقدس؟!.. إنّ المُسلمين وهم يتهمون المَسيحيّين بتحريف كتابهم إنما ‏يتهمونهم بعدم الأمانة والخداع، وهذه اتهامات شنيعة!.. إنّ المَسيحيّين يؤمنون أنّ الكتاب المقدس ‏هو كلمة الله، كما يؤمن المسلمون بالقرآن. فإن لم يكن هناك مُسلم يغيّر كتابه بسبب حبه له، فهل ‏تظن أن المسيحيّين يغيّرون الكتاب الذى أعطاه لهم الله كلّى الحكمة؟!.. ولو افترضنا أن مسلماً ‏مخادعاً جرؤ على أن يغيّر آية من القرآن، ألا تظن أن سائر المُسلمين يلومونه ويفضحون فعلته ‏الشنيعة؟!.. هذا ما سيفعله بقية المَسيحيّين الذين يحبون كتابهم من كل قلبهم لو أن أحداً تجرأ أن ‏يُجرى فيه تغييراً. وأؤكد لك أن كل مَسيحىّ يحبّ كتابَه سيهُبّّ للدفاع عنه وفَضْح الذى يريد أن ‏يغيّره. ومن هذا ترى أن اتهام المُسلمين للمسيحيّين بأنهم غيّروا كتابهم اتهام لا يقومُ على دليل. ‏وأعتقد أن المُسلمين الذين يتهموننا بتغيير كتابنا المقدس يجهلون كتابنا كما يجهلون إيماننا ‏وعقائدنا".