٥ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

ثم قدّم لى القسيس نسختين من الكتاب المقدس، إحداهما باللغة الفارسية والأخرى باللغة ‏العربية، وطلب منى أن أقرأهما. فشكرناه وخرجنا من بيته. ولم أعر ما قاله القسيس التفاتاً، ولا ‏فتحت أيّاً من الكتابين اللذين أعطاهما لى، فقد كانت كل رغبتى قراءة أجزاء معيّنة فقط من الكتاب ‏المقدس بهدف اكتشاف الأخطاء التى أشار إليها أصحاب الكتب التى تهاجم الكتاب المقدس. ولم ‏أجد عندى حاجة لأقرأه كله، وصرفت مدة إقامتى فى دلهى أجادل المسيحيين وأهاجمهم.‏

دراسـات أعمـق :‏

واستقر عزمى على أن أسافر إلى بومباى، حيث كان لى حظ مقابلة مولانا هدايات الله. وكان ‏محترماً فى كل المنطقة كرجل متفقّه فى علوم الدين بدرجة عظيمة. وكان أصلاّ من كابول ‏ويعرف عائلتى. وعندما عرفنى وعد أن يقدم لى كل معونة ممكنة، ونصحنى أن أدرس الأدب، ‏وسمح لى أن استخدم مكتبته العظيمة، فبدأت أدرس تحت إرشاده. وكان قد تعلم فى القسطنطينيّة ‏والقاهرة والجزيرة العربية، وكان عظيم المعرفة وأعطانى دروساً فى الفارسية.‏

وجاء فى ذلك الوقت أستاذ عظيم وعالم جليل فى الفلسفة والمنطق من مصر، هو مولانا عبد ‏الأحد، وهو أصلاً من منطقة جلال أباد فى أفغانستان. والتحقت بالمدرسة التى يدرّس فيها، ‏وتلقّيت العلم على يديه، ولقد عاملنى كابن له وأعطانى غرفة قريبة من غرفته لأكون قريباً منه، ‏فأحصل على نصائحة وتعاليمه فى أى وقت أشاء.‏

مزيد من الجدل مع المسيحيين :‏

ذات يوم كنت أتمشى مع بعض أصدقائى الطلاب عندما وجدت بعض الوعاظ المسيحيين ‏يخاطبون الناس، فتذكرت ما حدث معى فى دلهى واتجهت بعزم نحوهم فشدّنى أحد زملائى وقال ‏لى:

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ٦

‏‎ ‎‏"لا تلق انتباهاً لمثل هؤلاء الناس ولا تضيّع الوقت وأنت تجادلهم. إن كل ما يدفعهم إلى ‏عملهم هو الأجر الذى يتقاضونه. فلا فائدة من الحوار معهم". فأجبته: أعرف أن هؤلاء الناس قد ‏لا يعرفون أسلوب الجدل، لكنهم يعرفون كيف يضللون الناس. ومن واجبنا نحن المسلمين ‏الصادقين أن ننقذ إخوتنا المسلمين البسطاء من مكرهم وخداعهم. واتجهت فوراً نحوهم، وأثرتُ ‏مجموعة نقاط هجوماً على المسيحية، فأجابونى بكثير من التوضيح. واضطررنا أن نوقف الجدل ‏بسبب ضيق الوقت وانتشر خبر حوارى مع القسيس بين طلبة المدرسة، فامتلأوا بالغيرة ‏والحماسة، وأقبلوا على الجدال. فكنا نذهب مرتين أسبوعياً لنجادل المسيحيين. وقال لنا أحد ‏القسوس إن المكان الذى نلتقى فيه للحوار بعيد علينا، واقترح أن يستأجر غرفة قريبة من المدرسة ‏تكون مكان لقاء وحوار يستمر. فقبلتُ هذاالعَرْض، وكنا نلتقى معه فى تلك الغرفة فى أوقات ‏يحددها من قبل.‏

ولما وجدت أن زملائى التلاميذ لا يعرفون الديانة المسيحية، وغيرمختبرين فى فن الحوار، ‏نصحنى مولانا "عباس خان صاحب" أن أستأجر بيتاً نتحاور فيه، ففعلت ذلك، وكوّنتُ جماعة ‏‏"ندوة المتكلمين" وكان هدفنا أن ندرّب الدعاة الإسلاميّين ليحاوروا المسيحيّين ويخرسونهم.‏

ولما وجد أستاذى أن كل اهتمامى موجّه للجدال والمناظرة، جاء إلى غرفتى بعد صلاة المغرب ‏فوجدنى أقرأ الإنجيل. فقال بغضب: "أخشى أن تصبح مسيحياً". فضايقنى تعليقه، ولم أشأ أن ‏أسِىءَ إليه، ولكنى وجدت نفسى أقول له: "هل يمكن أن شخصاً مثلى يجادل المسيحيّين كل هذا ‏الجدل ويصبح مسيحيّاً؟!.. وهل قراءة الإنجيل تصيّر الإنسان مسيحيّاً؟!.. إننى أدرسه لأدمّر ‏المسيحيّة من أساسها. كنت أظنّك تشجعنى على أن أجد الأخطاء فى هذا الكتاب".‏‎ ‎فقال: "إننى ‏أقول لك هذا لأننى سمعت أن الذى يقرأ الإنجيل يصبح مسيحيّا. ألم تسمع الكلمة الحكيمة من ‏شاعرنا الذى قال: "الذى يقرأ الإنجيل يتحوّل قلبه عن الإسلام؟" فقلت له: "هذه معلومة خاطئة". ‏ولمّا لمْ أقبلْ نصحَه تركنى ومضى.‏