٧٠ معجزة القرآن

بالبينات و الزبر " ( 43 – 44 ) . يستشهد بهم لأن القرآن العربى بيان التنزيل الكتابى : " و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ، و لعلهم يتفكرون " ( 44 ) . فمحمد لا يأتى بوحى جديد ، بل هو ينقل للعرب " و ما نزل إليهم " من قبل فى الكتاب ، دين موسى و عيسى معا بلا تفرقة الذى شرعه للناس ( الشورى 13 ) . و غاية ثانية من الدعوة القرآنية بيان ما اختلف فيه أهل الكتاب : " و ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه " ( 64 ) ، و هذا البيان يأتى على طريقة " المسلمين " من أهل الكتاب : " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء ، و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين " ( 89 ) . و هؤلاء المسلمون هم غير جماعة محمد ، المتقين من العرب : " قل : نزله روح القدس من ربك بالحق ، ليثبت الذين امنوا ، و هدى و بشرى للمسلمين " ( 102 ) . فالتمييز صريح بين الكنايتين : " الذين أمنوا " و هى الكناية المتواترة لجماعة محمد ، " و المسلمين " و هى الكناية المتواترة للنصارى من بنى اسرائيل الذين يدعوا القرآن بدعوتهم . و هكذا " فالمسلمون " الأصليون ، فى لغة القرآن ، ليسوا جماعة محمد . و القرآن العربى هو " هدى و بشرى للمسلمين " – اصطلاح قرآنى آخر : " الهدى " كناية عن التوراة ، و " البشرى " كناية حرفية عن الانجيل ، فالقرآن العربى هو تثبيت " للذين آمنوا " من العرب ، و بمثابة توراة و انجيل " للمسلمين " من أهل الكتاب . مع ذلك يحول دون ايمان المشركين بالدعوة القرآنية سببان ، غير العجز عن معجزة : الاول اشتباههم بأن يتعلم من بشر : " و لقد نعلم أنهم يقولون : إنما يعلمه بشر ! – لسان الذى يلحدون إليه إعجمى و هذا لسان عربى مبين " ( 103 ) . محمد التجار الدولى فى أكبر تجارة مكية ، مدة عشرين عاما ما بين اليمن و الشام كان يعرف لغة اليمن و لغة الشام ، الحميرية و الارامية ، و لا يقيم بين ظهرانى العرب بمكة من لا يعرف لغتهم . و قولهم " انما يعلمه بشر " مثل قولهم : " و ليقولوا : درست " ، فليس الخلاف على التعليم و الدرس ، انما الخلاف على اللسان العربى المبين الذى هو ميزة محمد و القرآن . و الثانى اطلاعهم على سر آخر ، التبديل فى آى القرآن : " و اذا بدلنا آية مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : إنما أنت مفتر ! بل أكثرهم لا يعلمون " ( 101 ) . و هذان الأمران سببا ردة عن الاسلام فى اخر العهد بمكة .

و فى ( ابراهيم ) ، السورة الثانية و السبعين ، ينقل حوار الرسل و اقوامهم على ضروة المعجزة ، السلطان المبين من الله على صحة نبوئتهم : " قالوا : إن أنتم الا بشرا مثلنا تريدون

معجزة القرآن ٧١

أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا : فأتونا بسلطان مبين ! قالت لهم رسلهم : إن نحن الا بشر مثلكم ، و لكن الله يمن على من يشأ من عباده ، و ما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ، الا باذن الله ، و على الله فليتوكل المؤمنون " ( 10 – 11 ) هذه حال محمد مع مشركى مكة ، فان الله لم ياذن لعبده محمد بسلطان المعجزة المبين .

لذلك فى سورة الانبياء ، الثالثة و السبعين يتهمونه بشتى التهم لأنه لم يأتهم بمعجزة كالانبياء الأولين : " بل قالوا : اضغاث احلام ! بل افتراه ! بل هو شاعر ! فاليأتنا بآية كما أرسل الأولون " ( 5 ) . فلا معجزة فى القرآن يكفيه أنه ينقل للعرب الذكر الذى فى الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم افلا تعقلون " ( 10 ) . و هذا الذكر القرآنى من الذكر الكتابى : " هذا ذكر من معى و ذكر من قبلى " ( 24 ) . فالكتاب هو القرآن و الذكر و الفرقان للمتقين من العرب : " و لقد اتينا موسى و هارون الفرقان ، و ضياء و ذكرا للمتقين " ( 48 ) . لذلك فأهل الكتاب و أهل القرآن الذين يؤمنون " بالتى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و جعلناها و ابنها آية للعالمين " ( 91 ) هم " أمة واحدة " ( 92 ) . هذا هو الاعلان الاول عن وحدة الامة بين جماعة محمد و " النصارى " ، ووحدة الاسماء بين الكتابين كالذكر و القرآن و الفرقان ، تعنى وحدة الدعوة . ووحدة الدعوة تعبيرا و تفكيرا ووحدة الامة برهانا قاطع على أن الدعوة القرآنية دعوة " نصرانية " .

و فى سورة ( المؤمنون ) الرابعة و السبعين يعود إلى اعلان وحدة الامة بين جماعة محمد و النصارى من بنى اسرائيل الذين يؤمنون معا بأن " ابن مريم و امه آية " : " و ان هذه امتكم امة واحدة ، و انا ربكم فاتقون " ( 52 ) . انهم امة واحدة ما بين الذين " تقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون " ( 53 ) . و سنعرف أن هذه " الامة الواحدة " هى " امة وسط" بين اليهودية و المسيحية ، لأنها تقيم التوراة و الانجيل معا و لأنها تدعو لدين موسى و عيسى دينا واحدا بلا تفرقة . فانكروا رسولهم لأنه لم يأتهم بمعجزة تؤيد صحة رسالته و دعوته ( 69 ) حتى كاد يشك فى أمره .

 ففى ( السجدة ) الخامسة و السبعين يردع القرآن محمدا عن الشك فى امره و فى " تفصيل الكتاب " فى القرآن العربى : " و لقد اتينا موسى الكتاب : فلا تكن فى مرية من لقائه ! و جعلناه هدى لبنى اسرائيل ، و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا " ( 23 – 24 ) . على