٧٢ معجزة القرآن

محمد ألا يشك فى لقاء الكتاب بواسطة أثمته الذين بأمر الله يهدونه اليه . و نعلم من المتواتر فى القرآن أن هؤلاء الأثمة أساتذة النبى العربى هم " أولو العلم قائما بالقسط " ، " الراسخون فى العلم " النصارى من بنى اسرائيل . و هذا التصريح الضخم برهان قاطع على تدريسهم الكتاب لمحمد و تفصيلهم له على طريقتهم " النصرانية " و لو لم يتله فى الأصل بنفسه و لم يخطه بيمينه ( العنكبوت 48 ) . فيتشدد محمد بهداية أثمته له .

و فى ( الطور ) ، السادسة و السبعين ، يطمئن ، و يتحدى المشركين بالقرىن الذى يتهمونه بافترائه : " أم يقولون : تقوله ! بل لا يؤمنون ! – فليأتوا بحديث مثله ، إن كانوا صادقين " ( 33 – 34 ) هذا التحدى موجه للمشركين ، فقد " شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) فليس التحدى باعجاز القرآن مطلقا . و قد اخذ بالتراخى مع المشركين أنفسهم ، من " سورة مثله " ( يونس 37 ) ، الى " عشر سور مثله " ( هود 13 ) ، الى " حديث مثله " ( الطور 34 ) فليس اعجاز القرآن معجزة لأن عند النصارى من بنى اسرائيل " مثله " ( الاحقاف 10 ) .

 فى سورة ( الروم ) ، الرابعة و الثمانين ، يظهر القرآن أولا تضامنه مع المسيحية نفسها ، كما ظهر تضامنه معها فى الهجرة الى الحبشة : " آلم . غلبت الروم فى أدنى الأرض ، و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين . لله الأمر من قبل و من بعد . و حينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء و هو الرحيم العزيز " ( 1 – 5 ) . سورة ( الروم ) من آخر العهد بمكة أى من العام 622 م . و قد غزا الفرس سوريا سنة 612، وفلسطين614 و مصر 618. وبدأ هرقل غزو الفرس بنصر ساحق عام 622 دام حتى 629 م. فالروم من بعد غَلَبهم سيغلبون فى تاريخ نزول سورة ( الروم ) عام 622 م . و يتم النصر " فى بضع سنين " عام 629 م كما يتضح من انتصارات الغزو لبلاد الفرس . فالآية القرآنية تاريخ لا نبوءة لأن محمدا ، بنص القرآن القاطع ، " لا يعلم الغيب " ( الانعام 50 ) . و النبوءة الغيبية نوع من المعجزة ، و لا معجزة فى القرآن ، بتصاريحه المتواترة ( الاسراء 59 ، الانعام 35 ) .

تضامن فى المصير مع المسيحية ، ووحدة مع " النصرانية " . ففى سورة ( الروم ) أيضا يعطينا صفة الدين الذى يدعو له : "فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التى فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ، و لكن أكثر الناس لا يعلمون " ( 30 ) ،

معجزة القرآن ٧٣

" فأقم وجهك للدين القيم ، من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله ، يومئذ يصدعون " ( 43 ) . يؤمر محمد بالحنيفية ، و يصفها بأنها " الدين القيم " ، و هذا التعبير ترجمة " الارثذكسية " فى المسيحية . و نعرف أن " الحنيفية " لقب أطلقه مسيحو سورية على النصارى من بنى اسرائيل ، فجعله هؤلاء عنوان " الدين القيم " الذى يدعيه المسيحيون لأنفسهم فى دولة الروم . فمحمد يدعو بدعوة النصارى الى " الحنيفية " ، و يصفها معهم بأنها " الدين القيم " و كما نازعت النصرانية المسيحية فى صفة " الدين القيم " نازعتها فى صفة الانتساب الى ابراهيم ، كما فعل بولس مع اليهود . فالحنيفية النصرانية تدعى أنها الدين القيم و أنها ملة أبراهيم . و بهذا النسب عينه ، الحنيفية ، الدين القيم ، ملة ابراهيم ، يتضح أن القرآن دعوة " نصرانية " ، فى وحدة الأمة .

فى ( العنكبوت ) ، الخامسة و الثمانين ، و الاخيرة فى مكة ، يتم كشف الغطاء عن هوية الاسلام الذى يدعو اليه القرآن . التصريح الأول : " ووهبنا له اسحاق و يعقوب ، و جعلنا فى ذريته النبوة و الكتاب " ( 27 ) . نلاحظ التعريف و الاطلاق : إن النبوة و الكتاب هما فى ذرية ابراهيم ، من اسحاق و يعقوب ، لا من اسماعيل . التصريح الثانى : القرآن العربى وحى من هذا الكتاب : " آتل ما أوحى اليك من الكتاب " ( 45 ) . التصريح الثالث : يعلن الوحدة التامة الكاملة مع النصارى المحسنين ، المقسطين ، " أولى العلم و الايمان " : " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن – إلا الذين ظلموا منهم – و قولوا : آمنا بالذى أنزل الينا و أنزل اليكم ، و الهنا و الهكم واحد ، و نحن له مسلمون " ( 46 ) . قال : " ان هذا القرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون " ( النمل 76 ) . و قد اختلفوا الى يهود و نصارى ( الصف 14 ) . و فى عرفه المتواتر ، اليهود هم الظالمون الذين يصح جدالهم بغير الحسنى ، أما النصارى فلا يصح جدالهم الا بالحسنى ، و هذه الحسنى هى بالامر لأمته بالشهادة معهم ان التنزيل واحد ، و الاله واحد ، و الاسلام واحد . فالقرآن دعوة " نصرانية " . التصريح الرابع : " و كذلك أنزلنا اليك الكتاب : فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ، و من هؤلاء من يؤمن به ، و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون . و ما كنت تتلو من قبله من كتاب ، و لا تخطه بيمينك ، إذا لارتاب المبطلون . بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم ، و ما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " ( 47 – 49 ) . صورة كاملة عن موقف أهل مكة من الدعوة القرآنية فى آخر العهد المكى : 1 ) " فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به " ، تعبير عام يقصد