٧٤ معجزة القرآن

به الخاص ، يعنى " الذين أتوا العلم " أى النصارى ، فهم يؤمنون بالدعوة القرآنية ، و القرآن " آيات بينات فى صدورهم " ، فالدعوة دعوتهم . 2 ) " و من هؤلاء " أى " أهل مكة " بعضهم يؤمن بالدعوة . 3 ) " و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " من سائر أهل مكة . 4 ) و " المبطلون " ( 48 ) و " الظالمون " ( 49 ) هم اليهود الذين يرتابون بصحة النبوة و يجحدون صحة الدعوة القرآنية ، و ذلك لأنها " آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم " أى النصارى . لكن تبطيلهم لا يستند الى حق : " و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك " ( 48 ) . قبل القرآن لم يكن يفعل ذلك ، لكن فى رؤيا غار حراء جاءه الأمر بالقراءة و التعلم بالقلم ( العلق 1 – 4 ) ، فأخذ يدرس و يكتب مع " المسلمين " من قبله ، " أولى العلم و الايمان " ( القلم 37 و 47 ) . فلا تعنى الاية ( 48 ) أمية محمد فى شىء . و قوله : " و كذلك أنزلنا إليك الكتاب ... بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم " ( 47 و 49 ) يدل على كيفية بلوغ التنزيل الى محمد . التصريح الخامس ، فى ضرورة المعجزة لصحة النبوة : " و قالوا : لولا أنزل عليه آيات من ربه ! – قل : انما الآيات عند الله ! و انما نذير مبين ! أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؟ " ( 50 – 51 ) . فلا معجزة عند محمد ، بل هو نذير ، و آيته تلاوة الكتاب على العرب بلسان عربى مبين ، فى " تفصيل الكتاب " بالقرآن العربى . و يشهد على صحة التفصيل و نقل التنزيل " الذين أوتوا العلم و الايمان " أى " النصارى " .

و هنال بعض سور مختلف فى زمانها ، منها ( الرعد ) ، السورة التسعون . نجد فيها الجدال الأخير بمكة على صحة النبوة و الدعوة : " و يقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه ! إنما أنت منذر ، و لكل قوم هاد " ( 7 ) ، فمحمد منذر ، كما لكل قوم هاد ، و هذا التشبيه يدل على أن نبوءة محمد لا تقوم على معجزة و بأنها هداية . و هذا الواقع التاريخى أمر مقرر مكرر : " و يقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه ! – قل : ان الله يضل من يشاء و يهدى اليه من أناب " ( 27 ) ، فليس لديه معجزة . فيزدادون تعجيزا له : " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ، أو قطعت به الأرض ، أو كلم به الموتى ! – بل الله الأمر جميعا ! أفلم ييأس الذين آمنوا ، أن لو يشاء الله الهدى الناس جميعا " ( 31 ) . ينتهى بالتسليم بالعجز المطلق عن كل معجزة ، حتى كاد اليأس يستولى على جماعته ، و حتى تيقن مشركو مكة انه ليس مرسلا : " و يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( 43 ) .

معجزة القرآن ٧٥

ينتهى القرآن المكى بالتحدى الأكبر : " لست مرسلا " ! فلا يرد التحدى بمعجزة . و لا يقدم لهم اعجاز القرآن معجزة له . آيته الوحيدة طول العهد بمكة ، إنما هى شهادة " من عنده علم الكتاب " أى النصارى " أولو العلم و الايمان " . فلا معجزة اذن فى القرآن على الاطلاق ، و لا يعتبر اعجازه معجزة له . و هكذا فالواقع القرآنى يؤكد قول المعتزلة الأقدمين : إن الله لم يجعل القرآن دليل النبوة .

و كانت الهجرة الكبرى الى المدينة انقلابا فى الرسول و الرسالة . و تحولت الدعوة " بالحكمة و الموعظة الحسنة " ، الى الدعوة بالجهلد و الحديد الذى " فيه بأس شديد و منافع للناس " ( الحديد 25 ) . و انتقل الجدال من المشركين الى اهل الكتاب من اليهود . و برز الصراع الخفى مع المنافقين من اهل المدينة .

فى سورة ( البقرة ) ، الأولى ، يستشهد لآخر مرة فى دعوة العرب باعجاز القرآن : " و إن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا ، فأتوا بسورة من مثله ، و ادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين " ( 23 ) . أخيرا يتضح أن التحدى باعجاز القرآن موجه للمشركين وحدهم . فيجيبونه : " و قال الذين لا يعلمون ( العرب الأميون المشركون ) لولا يكلمنا الله ! أو تأتينا آية ! – كذلك قال الذين من قبلهم ( أهل مكة ) مثل قولهم ، تشابهت قلوبهم ! قد بينا الآيات ( الخطابية ) لقوم يوقنون : إنا أرسلناك بالحق بشيرا و نذيرا " ( 118 – 119 ) . فموقف أهل المدينة من ضرورة المعجزة لصحة النبوة كان مثل موقف أهل مكة ، و كان جواب النبى العربى الدائم : لا معجزة عنده ، إنما هو بشير بالحق و نذير . لكن اليهود العليمين " بالبينات و الزبر " أخذوا يردون على دعوى إعجاز القرآن . فقد لاحظوا التبديل فى آيات القرآن ( النحل 101 ) و النسخ فى أحكامه ( البقرة 106 ) فأشاعوا بين الناس : إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر و ينهى عنه غدا ( الجلالان ) فنزلت : " ما ننسخ من آية ، أو ننسبها ، نأت بخير منها أو مثلها : ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير " ( 106 ) . و التبديل فى الآيات ، و النسخ فى الأحكام لا ينسجمان مع الاعجاز فى القرآن . بهذه الآية ( البقرة 106 ) نسخ القرآن اعجازه فى الأحكام .

و فى سورة ( الانفال ) ، الثانية ، يصف وقعة بدر ، النصر الأول فى الاسلام ، " يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان " ، حيث فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله . فرأى محمد فى