٩٠ معجزة القرآن

" حتى اذا أراد أن يتبول أو يتغوط ، فلا يمكن فى نظرهم أن يكون كالبشر ، بل لابد له من امتياز ، و إلا فما معنى كونه سيد ولد آدم و لا فخر ! فالقاضى عياض تارة يقول : إن الرسول كان اذا أراد قضاء حاجته فى الخلاء تجمعت الحجارة و الأشجار لتستره ! و تارة يقول : إنه اذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه و بوله ، و فاحت لذلك رائحة طيبة – لأن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ، فلا يرى منه شىء . ثم يواصل القاضى عياض هذا الهوس فيقول : إن قوما من أهل العلم قالوا بطهارة هذين الحديثن منه صلعم . و يدعى القاضى أن أم أيمن – و كانت تخدم رسول الله – شربت من بوله ، فقال لها : لن تشتكى وجع بطنك أبدا ... "

و ختم بقوله 1 : " و لسائل أن يتساءل : ألم تحدث للرسول معجزات ؟

" و نحن نقول له : إن كتب الأحاديث ، و كتب السيرة ، قد استوعبت آلاف المعجزات . و منها ما بلغ الى درجة التطرف الذى يفرض علينا الضحك . و حسبك أن تقرأ ( دلائل النبوة ) للبيهقى ، و أبى نعيم ، و ( الشفاء ) للقاضى عياض ، و شرح الزرقانى على ( المواهب ) . و الأحاديث المعتمدة معدودة على الأصابع . و كلها أحادية لا تقطع بخبر . و منها : نبع الماء ، و تكثير الطعام ...

" و الأحاديث التى وردت فيها أخبار الرسول عن الغيب تتعارض مع صريح القرآن الذى يؤكد أن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده . و من هذه الأحاديث ، الأخبار عن عمار بأن ستقتله الفئة الباغية ، و أن الحسن يصلح الله به بين فئتين ...

" فلا يمكن أن نقر بحال من الأحوال هذا السيل من المعجزات التى نسبت إليه ، و التى لو وزعت علىالثلاثة و العشرين عاما التى قضاها فى النبوة ، لأصبح واضحا أن هذه المدة إنما ضاعت فى حدوث الخوارق المتواصلة ، دون أن يفرغ لنضال فى مكة ، أو قتال و تشريع فى المدينة .

" و الذى يقرأ للقاضى عياض فى كتابه ( الشفاء ) ، يصاب بدوار ، فهو ينسب الى الرسول معجزات متنوعة ، محاولا أن يجعلها شاملة لكل معجزات الرسل قبله . حتى إحياء


1 عبد الله السمان : محمد ، الرسول البشر ، ص 86 – 88 و 113 .
معجزة القرآن ٩١

الموتى ينسبه الى الرسول 1 ، و يذكر دون خجل ... حتى حين يفكر رسول الله فى قضاء حاجته بالخلاء ، تنتقل الأشجار و تتكدس الحجارة ، و ذلك لتواريه عن الأعين ! و حين يسير ، ما من شجرة و لا حجر إلا يقول : السلام عليك يا رسول الله ! و حين يدعو العباس و أهل بيته ، تقول الأبواب و الحوائط : آمين . و هو يرى من خلفه كما يرى من أمامه ، و فى الظلام كما فى النور ... فينسب الى الرسول معجزات كان خيرا لو انه لم ينسبها اليه ... بدل أن يعرض شخصية محمد للسخرية .

" إن القرآن ذكر بعض الآيات لبعض الرسل دون البعض الآخر ، فكان أجدر له أن يذكر بعض معجزات لمحمد الذى أنزل عليه . و لكن الله عز و جل أراد أن يرفع من قدر الرسالة فيجعلها عقلية منطقية تخاطب العقل و المنطق . و أيدها بكتاب الله ليعيش معها إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، كآية خالدة معجزة . و قد شق محمد لدعوته طريقه إلى القلوب والعقول، غير مؤيد بالخوارق، التي لم تصلح قبله وسيلة لإقناع، لأن معه نهجا واضحا من كتاب الله ، ليس فيه تعقيد و لا التواء . و من شاء بعد ذلك فليؤمن و من شاء فليكفر " .

و هكذا فالاستاذ السمان ينقض كل معجزات الحديث و السيرة و الشمائل و المغازى . و ينقض معها كل ما يتوهمونه من معجزات فى بعض آيات القرآن . فالواقع التاريخى و القرآنى أن محمدا " غير مؤيد بالخوارق " فى نبوته و رسالته .
فلا معجزة لمحمد سوى القرآن . هذا ما قاله من قبله حسين هيكل و أهل الاعجاز .

لكننا نأخذ عليه قوله ، فى تبرير منع المعجزات عن محمد ، " ان الله عز و جل أراد أن يرفع من قدر الرسالة فيجعلها عقلية منطقية تخاطب العقل و المنطق " . و رسالة " عقلية منطقية " تنزل الوحى منزلة العقل ، ليس العقل البشرى بحاجة إليها ، و هو بغنى عنها . و هل كونها " عقلية منطقية " دليل على أنها من الله ؟ حينئذ كل تأليف بشرى دينى ، " عقلى منطقى " هو من الله ! فلابد من برهان إلهى قرين النبوة يدل عليها حتى يصح اعتبارها من الله . لقد نسى قول الإمام الجوينى 2 ، استاذ الغزالى : " لا دليل على صدق النبى غير المعجزة . فإن قيل : هل فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة ؟ قلنا : ذلك غير ممكن " .


1 و قد انحدر الى مستواه سيد علم الكلام الغزالى .
2 فى الارشاد ، ص 331 .