١٢٠ معجزة القرآن

و يقول : " لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة " ( التوبة 25 ) . لكن نصر الله لهم مقرون بنصرهم لله : " إن تنصروا الله ينصركم " ( 47 : 7 ) ، " و لينصرن الله من ينصره " ( 22 : 40 ) ، " و ليعلم الله من ينصره " ( 57 : 25 ) .

و الفتح مقرون بمغفرة ذنوب النبى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ز ما تأخر " ( الفتح 1 – 2 ) . مهما كان الذنب المتقدم و الذنب المتأخر ، فإن الغفران منه مقرون بالفتح : فهل فى الفتح من ذنب يقتضى الغفران ؟

و فى ( اسباب نزول ) آية التوبة : " و منهم من يقول : ائذن لى و لا تفتنى " ( 49 ) نقل السيوطى : " أخرج الطبرانى عن ابن عباس أن النبى صلعم قال : أغزوا تغنموا بنات الأصفر ! فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ! فنزلت " .

و آخر ما نزل من القرآن على قول بعضهم سورة النصر : " إذا جاء نصر الله و الفتح ، و رأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك ، و استغفره ، إنه كان توابا " . نفهم الأمر بالتسبيح لله إذا جاء نصر الله و الفتح ، لكن لا نفهم الأمر بالاستغفار بعد نصر الله و الفتح ؟ و هذا الأمر بالاسغفار ، بعد النصر و الفتح ، له فى آخر القرآن ، يجعل آية الحديد و السيف مشبوهة . فليس فى فلسفة الجهاد و النصر و الفتح من معجزة إلهية : " قل : يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم " ( السجدة 29 ) .

أجل إن الفتوحات النبوية كانت بطولات : لكن " التأييدات الربانية " فيها لم تكن معجزات .

و المبدأ القرآنى القاطع أن المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا وواقعيا ، يمنع أن نرى فى إشارة القرآن إلى تلك " التأييدات الربانية " معجزة . قال الاستاذ دروزة 1 : " أما التأييدات الربانية للنبى صلعم و المسلمين التى تضمنت اخبارها آيات قرآنية عدة ، مثل آيات سورة الانفال ( 9 – 13 ) و مثل الذى جاء فى سورة الاحزاب ( 9 ) فإنها ، كما هو ظاهر من نصوصها و روحها ، لا تدخل فى عداد معجزات التحدى . و بالتالى فإنها ليس من شأنها نقض الموقف السلبى العام الذى تمثله الآيات القرآنية " .


1 سيرة الرسول 1 : 229 – 230
معجزة القرآن ١٢١

فليس فى الوقائع الجهادية ، و لا فى " التأييدات الربانية " للنصر فى الحرب ، من معجزة أعطيت برهانا على صحة النبوة و الدعوة . و الواقع القرآنى المتواتر أن السور التى تذكرها نزلت بعد الوقائع الجهادية ، فارتفعت بذلك صفة التحدى بالمعجزة .

إن الجهاد آية محمد ، و فيه تأييد ربانى ، لكن ليس فيه معجزة من الله تشهد للنبوة .

بحث خامس

الآيات البينات التى يذكرها القرآن

لقد ثبت لنا أنه ليس فى القرآن ، أى فى السيرة و الدعوة ، من معجزة حسية ، " و من المتأكد انه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " 1 على ادعاء معجزة لمحمد .

أمام هذا الواقع القرآنى المذهل – و المعجزة دليل النبوة الأوحد – يتساءل بعضهم : كيف ينكرون على القرآن و نبيه المعجزات ، و هو الذى يصرح بتواتر : " و لقد أنزلنا اليك آيات بينات " ( البقرة 99 ) . و يردد ذلك فى كل سورة ( البقرة 118 و 151 ، الانعام 4 و 5 و 25 و 49 و 55 ، الاعراف 182 ، يونس 15 و 20 ، الأنبياء 37 ، الانفال 31 ، الحج 72 الخ ) .

أجل يردد القرآن أن محمدا أوتى " آيات بينات " ، لكنها آيات قرآنية خطابية ، لا معجزات حسية كالأنبياء الأولين .

ففى القرآن ، ان تعبير " آية " ، " آيات " هو من كلماته المتشابهة ( آل عمران 7 ) . فهو يأخذ تعبير " آيات " بمعان ثلاثة :

المعنى الأول عبارة عن أقوال الكتاب و القرآن .


1 محمد عبد الله السمان : محمد ، الرسول البشر ، ص 21 .