١٢٤ معجزة القرآن

" ذلك من آيات الله " ( 26 ) . و بالنسبة إلى الأنبياء الأولين يأتى تعبير ( الآيات " بمعنى أقوال الله : " يا بنى آدم ما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى ، فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، و الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ( 35 – 36 ) ، و بمعنى معجزات الأنبياء : " فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم آيات مفصلات ، فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين " ( 133 ) ، " ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون و ملئه " ( 103 ) . و بيناته آياته ( 105 – 106 ) . و سحرة مصر بعد معجزات موسى يخاطبون فرعون : " وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا " ( 126 ) . لكن بالنسبة إلى محمد " فالآيات " التى يتحدونه بها هى معجزات : " و إذا تأتهم بآية ، قالوا : لولا اجتبيتها " ( 203 ) . فيجيبهم بآيات الأقوال ، كالقصص : " إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء " ( 40 ) ، " و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ... أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ، إن هو إلا نذير مبين " ( 182 – 184 ) ، و يرد على التحدى بمعجزة ( 203 ) بهذا القرآن : " قل : إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى : هذا بصائر من ربكم و هدى و رحمة لقوم يؤمنون " ( 203 ) . فمعجزات محمد آيات أقوال ، ى آيات أعمال خارقة العادة .

كذلك فى سورة ( يونس ) ترد كلمة " الآيات " بمعناها الثلاثى . انها خوارق الكون : " إن فى اختلاف الليل و النهار ، و ما خلق الله فى السموات و الأرض ، لآيات لقوم يتقون " ( 6 ) . و يفضل آيات الخليقة و يختم بقوله : " يفصل الآيات لقوم يعلمون " ( 5 ) . و إنها أقوال " الكتاب الحكيم " ( 1 ) و القرآن الكريم : " و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات ، قال الذين لا يرجون لقاءنا : ائت بقرآن غير هذا ، أو بدله ... قل لو شاء الله ما تلوته عليكم " ( 15 – 16 ) . فليس عند محمد سوى أقوال الكتاب والقرآن ، لذلك يتحدونه بمعجزة حسية : " و يقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه ! – فقل : إنما الغيب لله ! فانتظروا إنى معكم من المنتظرين " ( 20 ) . و يحمل على الذين " عن آياتنا غافلون " ( 7 ) الذين " لهم مكر فى آياتنا " ( 21 ) ، و عند قصص القرآن هم " عن آياتنا لغافلون " ( 92 ) . فتجد دائما تعبيرا متشابها ، و موقفا سلبيا من المعجزة ، واحدا .

كذلك فى سورة ( الاسراء ) تظهر كلمة " الآيات " بمعناها الثلاثى : إنها عجائب الله فى كونه : أسرى بعبده " لنريه من آياتنا " ( 1 ) ، " و جعلنا الليل و النهار آيتين : فمحونا آية الليل

معجزة القرآن ١٢٥

و جعلنا آية النهار مبصرة " ( 12 ) . و انها عند الأنبياء الأولين المعجزات الحسية دليل النبوة : " و لقد آتينا موسى تسع آيات بينات " ( 101 ) . فالأنبياء الأولون يجمعون الى الأقوال المعجزة أعمالهم المعجزة . لكن عند محمد ليست " الآيات البينات " سوى أقوال بيانية ، و ذلك لأن المعجزات منعت عنه منعا مبدئيا مطلقا : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " (59). ولو كذبوا بها ، فقد كانت براهين الله على صحة نبوتهم. وتحدوا محمداٍٍٍٍ بمثلها ، "وقالوا لن نؤمن بك حتى..." ، فعجز وأقر بالعجز : " قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " (90 – 93) .

و فى سورة ( العنكبوت ) يتحدونه بمعجزة : " و قالوا : لولا أنزل عليه آيات من ربه " ! ( 50 ) ، فيعجز عن التحدى ، و يقدم آيات القرآن : " قل : إنما الآيات عند الله ، و إنما أنا نذير مبين ! أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؟ " ( 50 – 51 ) ، فيكفر بها المشركون : " و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " ! ( 47 ) ، و يسعى فى ابطالها اليهود ، " إذا لارتاب بها المبطلون " ( 48 ) ، و لا يقبل بها إلا النصارى أولى العلم ، من دون اليهود الظالمين : " بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم ، و ما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " ( 49 ) . فحتى آخر العهد بمكة ليس عند محمد من آية سوى القرآن : " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم " ! ( 51 ) .

و فى سورة ( الرعد ) ، إن " الآيات البينات " هى عجائب المخلوقات ، فالله " يدبر الأمر ، يفصل الآيات " ( 2 ) فى كونه العجيب : " إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ( 3 ) ، " ان فى ذلك لآيات لقوم يعقلون " ( 4 ) . و هى أيضا المعجزات التى يتحدونه بها : " و يقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه " ( 7 و 27 ) ، و يعددون له منها : " و لو أن قرآنا سيرت به الجبال ، أو قطعت به الأرض ! أو كلم به الموتى " ! فيجيب جواب العجز و اليأس : " بل لله الأمر جميعا ! أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " ! ( 31 ) . تجاه هذا العجز المشهود المعهود ، " يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! – قل كفى بالله شهيدا بينى و بينكم ، و من عنده علم الكتاب " ( 43 ) . ان شهادة النصارى أولى العلم له مشبوهة عندهم لأن دعوته من دعوتهم ، و شهادة الله لأنبيائه هى المعجزة ، و ليس عند محمد من معجزة !