١٢٨ معجزة القرآن

شيخ الأزهر فضيلة مصطفى المراغى سندا له فى " تقديم الطبعة الثانية " ( ص 50 – 51 ) حيث يقول : " و من الحق ان المسلمين قد بلغ اختلافهم بعد وفاة النبى صلعم حدا دعا الدعاة فيهم الى اختلاق الآلاف المؤلفة من الأحاديث و الروايات ... و لقد كان صلعم حريصا على ان يقدر المسلمون انه بشر مثلهم يوحى اليه ، حتى كان لا يرضى أن ينسب اليه معجزة غير القرآن ، و يصارح أصحابه بذلك ... فالقرآن وحده معجزة محمد " . و ما أجمل و أصدق و أصرح هذا التقرير من شيخ الأزهر المسؤول .

2 – أم الاستاذ حسين هيكل فيقول 1 : " فقد أضافت أكثر كتب السيرة الى حياة النبى ما لا يصدقه العقل ، و لا حاجة اليه فى ثبوت الرسالة " . ثم يقول : " إن كتاب الله هو وحده معجزة محمد " . و هو قول السلف من أهل الاعجاز . هذا التقرير الجامع المانع يقضى على كل معجزة يرونها فى القرآن ، أو يختلقونها فى الحديث و السيرة . و يختم بقوله : " فحياة محمد حياة انسانية بحتة بلغت أسمى ما يستطيع الإنسان أن يبلغ . و لقد كان صلعم حريصا على ان يقدر المسلمون انه بشر مثلهم يوحى اليه ، حتى كان لا يرضى أن تنسب اليه معجزة غير القرآن ، و يصارح أصحابه بذلك ... و هذا الذى جرى عليه النبى ... هو ما حال بين كثير من علماء المسلمين و كتابهم و الوقوف عند ما أضيف الى سيرة النبى من خوارق وضعها بعض الغلاة مضاهاة لما ورد فى القرآن عن عيسى و موسى ، أو دسها ( فى الحديث ) من دسوا الاسرائيليات على الاسلام و نبيه ، ليزيفوا بها العقائد ، و ليبعثوا بها الشك الى نفوس من يؤمنون بأن سنة الله لن تجد لها تبديلا . و ما كان محمد بحاجة الى الخوارق لإثبات رسالته " . و سنرى جديلة هذا التصريح الأخير عن قريب ، نسجل الآن انكاره لكل معجزة حسية تنسب إلى محمد .

3 – و فى ( سيرة الرسول ) عقد الاستاذ دروزة 2 فصلا قيما فى " موقف القرآن السلبى من المعجزة " – نقلناه فى بحث سابق . و يعقب عليه بقوله : " بقيت المعجزات المروية ، و خاصة التى وقعت فى مكة بناء على تحدى الكفار . و نعتقد أنا على صواب ، إذا قلنا : ان سكوت القرآن عنها ، مع كثرة تحدى الكفار ، و اقتصار الأجوبة القرآنية على السلب ، لا


1 حياة محمد ، ص 14 و 157 – 158 و 377 و 449 – 450 .
2 سيرة الرسول 1 : 223 – 226 .
معجزة القرآن ١٢٩

يمكن أن يشجعا على التسليم بصحبتها . هذا إلى أن الروايات غير متواترة و لا وثيقة . و كثير منها ، إن لم نقل أكثرها ، لم ترد فى المدونات القديمة ، الى ما فيها من تخالف كبير فى الوقت نفسه " .

ثم يخلص إلى هذا التصريح الضخم : " و هذه النواحى الايجابية فى النصوص القرآنية يصح أن تكون مفسرة لحكمة ذلك الموقف السلبى ، بحيث يصح أن يستلهم منها و أن يقال و قد المح إلى ذلك غير واحد من الباحثين أيضا – ان حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته ، التى جاءت بأسلوب جديد : هو أسلوب لفت النظر إلى الكون و ما فيه من آيات باهرة ، و البرهنة بها ... ثم أسلوب مخاطبة العقل و القلب ... ( جعلها ) فى غنى عن معجزات خارقة للعادة لا تتصل بها بالذات " . سنرى جديلة و حقيقة هذا " الأسلوب الجديد " فى النبوة و المعجزة .

4 – و فى كتابه الحر الجرىء ( محمد الرسول البشر ) ، يقول الاستاذ عبد الله السمان 1 و قد نقلنا شهادته كاملة فى بحث سابق – " لقد غرم كثيرون من المسلمين بأن يحوطوا شخصية الرسول بهالة كبرى من الخوارق ، منذ أن حملت به أمه ، إلى أن لقى ربه ، و بلغ الغلو بهم درجة لا تطاق . و من المتأكد انه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " .

و يقول عن مصادرهم ، فى السيرة : " و هذه الكتب على كثرتها لا يجوز أن تكون مرجعا أصيلا فى هذا الصدد ، لأنها كتبت فى عصور لم يكن النقد مباحا تماما فيها " ، و فى الحديث : " أصبح الحديث الصحيح فى الحديث الكذب كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود – كما يقول الدار قطنى أحد جامعى الحديث المعروفين " .

ثم يقول عن كتبة السيرة من المتقدمين و المحدثين : " إن كثيرا من العلماء الدينيين السابقين حرصوا على أن يكون لمحمد معجزات مشهورة ، حتى لا يكون أقل قدرا من غيره من اخوانه الرسل ، صلوات الله عليهم أجمعين . و هؤلاء لهم عذرهم ، فقد راحوا يجمعون الأحاديث صحيحها و ضعيفها و موضوعها ، دون ما نظر الى ان هذه القضية إنما


1 محمد ، الرسول البشر ، 10 و 13 ، 72 ، 86 ، 113 .