١٣٨ معجزة القرآن

بالتنزيل و القرآن ... ثم قال : هذا هو البيان أخبرنى به رئيس الجان . ثم قال : الله أكبر ، جاء الحق و ظهر ، و انقطع عن الجن الخبر ! ثم سكت فأغمى عليه : فما أفاق إلا بعد ثلاث . فقال : لا إله إلا الله ! ... ( ذكر ذلك فى حضرة الرسول ) فقال رسول الله صلعم : لقد نطق عن مثل نبوءة ، و انه ليبعث يوم القيامة أمة وحده " ( ص 221 – 223 ) . فلا يكفى القوم أن يستنطقوا الاحبار و الرهبان فى مبعث محمد ، حتى يستنطقوا الجن و العفاريت على لسان الكهان !

ثم ينتقل الشيخ الخطيب الى " معجزات الرسول بعد البعثة " ( ص 223 ) ، فيقول فيها قبل أن يعددها : " فإذا كان من الممكن ان يسلم – عقلا – بأن تخلو سيرة الرسول الى مبعثه من غير اشارات و دلالات تشير الى النبوة ... – و هو ما لا يمكن أن يسلم به أو يقبل بحال أبدا – فإن امكان عدم التسليم بهذا فى الفترة السابقة من حياة النبى قبل مبعثه يرتفع الى درجة المستحيل ان تخلو سيرة النبى خلال فترة النبوة من آيات و معجزات تشهد له " ( ص 224 ) . نحيل السيد الخطيب إلى أقوال زملائه " بأن القرآن وحده معجزة محمد " ، و إن استدرك فقال : " انها ليست من باب المعجزات التى تجىء للتحدى و تعجيز الناس عن الاتيان بمثلها ، ليعترفوا للنبى بمثلها " ( ص 225 ) ، بل " من نفحات النبوة ، و من شذاها العطر الذى لا ينفصل عنها بحال " ( ص 227 ) . فهو يقبل بها معجزات من النبوة ، لا معجزات تحدى لصحة النبوة ، مثل نبع الماء من أنامله ، وتكثير الطعام ، و شجرة تتكلم و تشهد لأعرابى ان محمدا رسول الله ، و شجرة يستنطقها فتشهد للنبى انه نبى : " فإذا تكلم الطير ! و سبح الحجر ! و مشى الشجر ! و شكا البعير ! و حن الجذع بين يدى الرسول ! فذلك مما لا ينكر أو يدفع " ( ص 236 ) . و ترى الخطيب يذهب بين الشك و اليقين فى أمر هذه المعجزات فيقول تارة : " و لا نريد أن نعيد القول هنا فيما يدور فى هذه المعجزات من جدل حول وقوعها أو عدم وقوعها على الوجه الذى رويت فيه و على الكثيرة التى تكاد تجعل حياة النبى و أعماله كلها خوارق و معجزات " ( ص 236 ) و يقول للحال : " و نعود فنقرر مرة أخرى ان كل هذه المعجزات و الخوارق التى رويت عن نبى الاسلام لم تكنان كانت – إلا شرارات من جذوة النبوة و إلاشعاعات من شموسها المشرقة . أما معجزة النبى الكبرى و آيته الخالدة فهى القرآن الكريم " ( 237 ) . لاحظ قوله : " لم تكن – إن كانت – إلا شرارات من جذوة النبوة " و صفة " معجزة النبى الكبرى " : أى تلك المعجزات كلها صغرى قائمة .

معجزة القرآن ١٣٩

فهذا السير بين الشك و اليقين غير مقبول . لكن نشهد له انه أصاب الحق فى قصة " انشقاق القمر " من انه " سيقع حين تقترب الساعة " ( ص 241 ) ، و ان " الاسراء – على ما تشهد به الآية – لم يكن للإعجاز و انما هو رحلة روحية الى بيت المقدس ، مجمع الأنبياء ، و أول قبلة للإسلام " ( ص 243 ) .

رابعا و أخيرا يصل الى معجزة اعجاز القرآن : " الرسول و المعجزة الكبرى " ( ص 265 ) . فيقرر لها الأساس القديم ، " و الدليل على أنه معجزة خارقة للعادة تدل على ان موحيه هو الله وحده ، ليس من اختراع البشر ، هو انه جاء على لسان أمى لم يتعلم الكتابة ، و لم يمارس العلوم " ( 271 – 272 ) . و عن عناية المسلمين بعلوم القرآن يشهد : " لهذا كان ذلك الاختلاف المتشعب فى كل علم و فى كل فن من فنون العربية و علومها ... و من هنا كان الاختلاف الذى لا يكاد يحصر ، و الذى لا نجد له شبيها عند أمة من الأمم ، أو فى لغة من اللغات . و حسبنا أن نشير الى الفقه و ما فى أحكامه من آراء ! و النحو و ما فى مسائله من خلاف " ( ص 273 ) . فهل هذا كله شاهد لمعجزة الاعجاز ؟

ثم يقول : " إن دلائل الاعجاز فى القرآن – مع أنها تنتظم القرآن كله و تجرى فى كل آية من آياته – لا تكفى وحدها فى حسن استقبال الناس لها ، و فى صدق نظرتهم اليها ، ووزنها بميزان الحق و الانصاف " ( ص 277 ) . فهل هذه الظاهرة تجعل اعجاز القرآن معجزة للعالمين ؟

و فى مقابلة معجزات الرسل بإعجاز القرآن يقول : " إن الاعجاز القرآنى يخاطب العقل و يناجى الوجدان . على حين ان الاعجاز فى معجزات الرسل إنما يجابه الحواس و يصادم ناموس الطبيعة القائم فى الناس ، فيحدث فى الحياة زلزلة عنيفة تنبه الغافلين و توقظ النيام . لهذا كان الاعجاز القرآنى فى حاجة ملزمة الى قوة تظاهره و تفتح له القلوب و توجه اليه العقول و تقيم له فى الحياة مكانا راسخا و تجعل له فى الناس قدما ثابتة . و هذه القوة التى يحتاج الاعجاز القرآنى الى مظاهرتها ينبغى أن تكون هى ذاتها معجزة ... فكان هو صلعم عنوان هذا الكتاب الكريم " ( ص 279 ) . فحاجة القرآن الملزمة الى معجزة شخصية تظاهره هى البرهان على ان اعجاز القرآن ليس بمعجزة فى ذاته . و سنرى المعجزة الشخصية فى فصل آخر .