١٤٠ معجزة القرآن

و يرى معجزة أخرى تؤيد اعجاز القرآن فى خلق العرب دولة تفتح دولة الفرس و دولة الرومان ، " هذا الاعجاز الرائع لقوة الايمان " ( ص 305 ) . فهل هذا أيضا يشهد لمعجزة الاعجاز فى ذاته ؟

و يرى أيضا فى الشريعة القرآنية معجزة . و فاته ما قاله من اختلاف فى الفقه المبنى على أحكام القرآن و شريعته .

فجل ما عند الشيخ الخطيب ان معجزة الشخصية النبوية لازمة لإظهار اعجاز القرآن لقد شذ عن سربه ، و جعل قوة المعجزة فى غير اعجاز القرآن نفسه .

9 – و السيد محمد الغزالى فى ( عقيدة المسلم ) الذى تواترت طبعاته فى مصر و لبنان و الكويت و غيرها ، يقول فى ضرورة المعجزة لصحة النبوة : " من حق الناس أن يسألوا كل رجل يزعم انه مرسل لهم من عند الله : ما دليلك على صدق قولك ؟ " ( ص 239 ) " و الدليل على صدق أية دعوى قد يكون بامور حارجة ، أو يكون بحقيقتها فى نفسها " ( 241 ) . " و قد كان التعويل فى العصور الأولى على الخوارق المادية فحسب ، أما ما تضمنته الأديان من حقائق فكانت منزلته ثانوية ، حتى جاء الاسلام فغض من شأن الاعجاز المادى ، و نوه بالاعجاز العقلى و القيم المعنوية للرسالات " . " كانت معجزات الأنبياء شيئا آخر غير الرسالات التى يبشرون بها و يدعون اليها . إلا ان الله شاء أن يجعل معجزة الرسالة الأخيرة شيئا لا ينفصل عن جوهرها . فجعل حقائق الرسالة و دلائل صحتها كتابا واحدا " باعجاز القرآن ( ص 243 ) . " فلتكن اذا معجزة نبى الاسلام عقلية " ( 245 ) . هذا ما يردده المتكلمون منذ الجاحظ ، و الفلاسفة الاسلاميون منذ ابن رشد . فلم يأتنا السيد الغزالى بجديد .

لكن الجديد عنده موقفه من المعجزات فى القرآن و السيرة : " إن الحكمة الإلهية اقتضت أن تبث فى طريق الرسول أنواعا من الخوارق التى أيد بها النبيون الأولون ، فجاءت هذه الخوارق تحمل طابعا خاصا ينبغى أن نعرفه حتى لا نتجاوز به حدوده الصحيحة . هذه الخوارق ثانوية الدلالة فى تصديق النبوة و الشهادة لها .

" و الطريقة التى أرسلت بها من عند الله تشير الى ان الحكمة الإلهية لم تعلق عليها كبير أهمية ، و لم تغض بها من قيمة المعجزة العقلية التى انفرد بها الرسول . فقد حدثت جملة من

معجزة القرآن ١٤١

هذه الخوارق بين المؤمنين ... وحدث بعض آخر أمام أعين الكافرين . بيد ان الصورة التى تم بها تثير الدهشة ، اذ كانوا يقترحون معجزة فتأتيهم أخرى ، أو يأتى ما يقترحون بعد سنين طوال ، و على وجه يبدو منه أن إجابتهم الى ما طلبوا لم تقصد أصلا . و ربما تهمل مقترحاتهم كلها فلا ينظر لها قط " ( ص 246 ).

فالسيد الغزالى يقبل اذا بصحة و تاريخية الخوارق و المعجزات المنسوبة الى محمد فى السيرة و الحديث . نحيله الى قول زميله الاستاذ عبد الله السمان الذى نقلناه : " و من المتأكد انه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " . فنظرية الغزالى ساقطة لاغية . و الاصرار عليها ضعف ، و ان اعتبرها " ثانوية الدلالة " .

و الجديد عنده أيضا نظريته فى الشخصية النبوية : " لئن كانت العبقرية امتدادا فى موهبة واحدة أو فى جملة مواهب ، إن النبوة امتداد فى المواهب كلها ، و اكتمال عقلى و عاطفى و بدنى ، و عصمة من الدنايا و رسوخ فى الفضائل كلها و عراقة فى النبل و الفضل " ( ص 254 ) . و مع النبى العربى " انتقل العالم من عهد الى عهد . و الكلام فى عظمة الشخصية التى حملت عبء هذه الرسالة يطول . و حسبنا ان الله عز و جل جمع فى سيدنا محمد صلعم من شارات السيادة و النبل ما تفرق فى النبيين من قبل " ( ص 256 ) ، " فإن خصال الكمال التى توزعت عليهم التقت أطرافها فى شخصية الكريم " ( ص 257 ) . و سنرى فى فصل " المعجزة الشخصية " فى السيرة و النبوة و فى الرسالة مدى الاعجاز فيها ، و هل " جمع الله ما تفرق فى النبيين من قبل " . تكفى شهادة القرآن التى عنها يغفلون : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ، و ما تأخر " ( الفتح 1 ) ، " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك " ( الشرح 1 – 3 ) . و الوزر الذى ينقض الظهر ليس " باللحم " و لا بالصغيرة ، و هذا يدحض تفسير السيد الغزالى فى قصة استغفار محمد : " فليس استغفار الانبياء عن مثل ما نقارف من خطايا ، أو ترتكب من سيئات " ( ص 239 ) .

و الجديد عنده أخيرا تطرفه على أقرانه فى قصة تحريف التوراة و الانجيل و العقيدة فيهما : " و سريان الفساد الى الديانتين الكبيرتين السابقتين على الاسلام ، اليهودية و النصرانية ، و ما طرأ عليهما من تغيير ، و داخل كتبهما من تحريف ، جعل الاسلام هو الطريق الفذ للإيمان