١٤٢ معجزة القرآن

السليم " ( ص 262 ) ، " و لا تحسبن هذا غلو فى تزكية مخلوق ، أو افتياتا على حق الخالق ، أو تجنيا على أتباع الرسل الأولين . فإن عيسى و موسى صلوات الله عليهما سارا بالناس الى الله على بصيرة ، و هم لا يدرون ما فعل أتباعهم من بعدهم . و لو عادوا إلينا لكانوا أول من يبرأ من الكتب الدسوسة عليهم ، و أول من يستمع الى آيات الذكر الحكيم و يبادر الى تنفيذ أحكامها ووصاياها ؟ " ( ص 263 ) . هذا غلو و تجن على القرآن نفسه الذى يعتبر الكتاب كله ، و على عهده نفسه " كتاب الله " فى عشر سور ( 2 : 101 ، 3 : 23 ، 5 : 44 ، 8 : 75 ، 9 : 36 ، 22 : 8 ، 30 : 56 ، 31 : 20 ، 33 : 6 ، 35 : 29 ) . يكفى قوله فى اليهود و النصارى : " الذين يتلون كتاب الله " ( 35 : 29 ) ، و يكفى تحدى القرآن للمشركين بالكتاب و القرآن على السواء : " قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ، إن كنتم صادقين " ( 28 : 49 ) . و تسمية القرآن للتوراة و الانجيل " كتاب الله " بتواتر شاهد قاطع على فساد مقالتهم بتحريف التوراة و الإنجيل القائم على تفسير خاطىء مغرض للفظة " تحريف " الواردة بمعنى تأويل مخالف " للكلم عن مواضعه " فى آية أو آيتين من التوراة ، و لا ذكر فيه للإنجيل على الاطلاق 1 . و قد نقلنا فى كتابنا ( مدخل الى الحوار الاسلامى المسيحى ) عشر شهادات كل واحدة من مجموعات قرآنية تشهد ان " صحة الكتاب و الانجيل عقيدة فى القرآن " ( ص 94 – 124 ) . و شهادة القرآن ان " هدى " القرآن و الكتاب واحد ( 28 : 49 ) برهان قاطع على ان عقيدة أهل التوراة و أهل الانجيل سالمة سليمة كما وصلت الى زمن محمد . و هذه الشهادة القرآنية الناطقة تسقط قول السيد الغزالى الذى يتهجم على عقيدة المسيحيين بقوله : " لم تصادف خرافة من الرواج فى العالم مثل اخرافة التى تعد عيسى إلها لهذا العالم – أو شريكا فيه مع الله ! ! " ( ص 65 ) . و نسى ان القرآن نفسه ينسب مرتين الى السيد المسيح المقدرة على الخلق ، مرة على لسان السيد المسيح : " انى أخلق لكم من الطين " ( آل عمران 49 ) ، و مرة على لسان الله نفسه : " و إذ تخلق من الطين " ( المائدة 110 ) . و لا غرابة فى قول السيد الغزالى بحق المسيحية ، فقد بلغ نقده القرآن نفسه ، حيث ينكر بعث المسيح و رفعه حيا الى الله ، قال : " لأنه فى حياته عبد ضعيف ، و بعد مماته رفات موارى فى حفرة من التراب " ( ص 67 ) . فما نظر حضرته بقوله :


1 راجع كتابنا : الانجيل فى القرآن ، ص 64 – 88 ، و كتابنا : مدخل الى الحوار الاسلامى المسيحى ، ص 80 – 94
معجزة القرآن ١٤٣

و ما قتلوه و ما صلبوه ، و لكن شبه لهم " ؟ ( النساء 157 ) . و ما نظر حضرته فى قوله : " يا عيسى انى متوفيك و رافعك الى " ( آل عمؤان 55 ) ، " بل رفعه الله اليه " ( النساء 158 ) . ان رفع المسيح الى الله حصل فى آخرته على الأرض ، و لا ينتظر اليوم الآخر ، حتى يجعله السيد الغزالى " بعد مماته رفاتا موارى فى حفرة من التراب " !

فالسيد الغزالى مثل الشيخ الخطيب ، من القوم الذين يصعب عليهم التسليم بواقع القرآن و موقفه السلبى من كل معجزة تنسب الى محمد ، مهما قال العلماء المسلمون الصادقون بانتحال الخوارق و المعجزات لمحمد فى الحديث و السيرة ، كما نقلنا عنهم .

10 – و السيد عفيف عبد الفتاح طبارة أصدر ( روح الدين الاسلامى ) فى أربع طبعات من 1955 إلى 1960 ، أهداه الى " أهل الفكر الانسانى " . و فيه يقسم القول الى فصلين . الأول " بعض وجوه اعجازه " ( ص 20 ) . و سبب اختيار الله لأعجاز القرآن معجزة له أن " العرب كانت مفطورة على حب البلاغة و الأدب و الشعر و الخطابة ... جاء القرآن الكريم أفصح منها فيما هى قوية به " ( ص 27 ) – فهل فاقت العرب ، أم سبقت اليونان و الرومان ، و من قبلهم الهنود و الفرس ، بصناعة الكلام و الفطرة عليه ؟ فمناسبة الاعجاز معجزة ليست العلة القائمة . فما " اقتضت حكمة الله أن تكون معجزته من جنس ما نبغت فيه أمته " ( ص 30 ) . فقد كانت المعجزة الحسية " سنة الأولين " من الأنبياء أجمعين ، بشهادة القرآن نفسه . و المؤلف يكرر ما قالوه قبله . و إنما فاته ان القرآن نسخ التحدى بإعجازه عندما أنهى فترة التحدى به للمشركين – لا لغيرهم – بإعلان " متشابه القرآن " ( آل عمران 7 ) و المتشابه و الاعجاز لا يجتمعان . و بهذا النسخ لإعجازه لم " يسن نهجا جديدا فى البرهان على صحته " ( ص 31 ) ، و لم يقبله العرب حجة على صحة النبوة ، بدليل تحديهم الدائم له بمعجزة مثل الأنبياء الأولين ( الأنبياء 5 ) ، و امتنعوا عن التصديق حتى تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) .

و فى وجه الاعجاز على الاجمال يقول : " و أسلوبه مخالف لأساليب كلام العرب و مناهج نظمها " . و يستشهد على ذلك بأقوال الدكتور طه حسين ، و الباقلانى ، و الرافعى . وفاته وفاتهم أنه أسلوب نظم الكتاب ، كما كان يقرأه مع أستاذه و ابن عمه ورقة بن نوفل