١٤٤ معجزة القرآن

قس مكة ، و ذلك بنص القرآن القاطع : " و شهد شاهد من بنى إسرائيل ( النصارى ) على مثله " ( الاحقاف 10 ) .

ثم يفصل بعض وجوه الاعجاز البيانى فيه : التصوير الفنى ، ضرب الأمثال ، التكرار ، الايقاع الموسيقى ، فى فصل " بعض خصائص أسلوب القرآن " ( ص 34 ) . و ينقل عمن سبقه " وجوه أخرى من إعجاز القرآن " ( ص 37 ) : فصاحته فى كل المواضيع ، وفرة بلاغته ، سلامته من التناقض و الخطإ ، سمو روحه ، غزارة معانيه . هذا هو الوجه البيانى ، الذى لا يمارى فيه أحد . لكن هل اعتبره القرآن معجزة له ؟ و هل يصح بذاته معجزة لتحدى العالمين ؟

و يرى وجها آخر فى " اشتمالته على أنباء غيبية " ( ص 40 ) . و هى على نوعين : نبوءات للمستقبل القريب و البعيد يراها فى استخلاف المسلمين فى الأرض ( النور 55 ) ، و عصمة محمد من الناس اعدائه ( المائدة 67 ) ، انتشار الاسلام بين العرب ( غافر 51 ، التوبة 32 ) ، تفرق المسلمين شيعا و محاربة بعضهم بعضا ( الانعام 65 ) ، و النوع الآخر : " و من الأنباء الغيبية التى أتى بها القرآن ، الأنباء عن قصص الأولين من الأنبياء " ( ص 4 ) . و هو يرى فى القصص القرآنى معجزة لسببين : الأول أمية محمد ، و هى تفسير لا يصح لاصطلاح قرآنى كما سنرى ، و الثانى " مما يشهد للقرآن أنه وحى إلهى أن قصص القرآن تخالف كثيرا ما ورد فى الكتب المقدسة و تسمو عليها " ( ص 41 ) . و فات حضرة المؤلف أن الخلاف الموجود بين القرآن و التوراة فى قصص الأنبياء وارد فى التلمود ، و ان عصمة الأنبياء مما ورد فى التوراة من ذنب لهم أو هفوة هى أيضا فى التلمود . و فات السيد طبارة شهادة القرآن لنبيه : " و لا أعلم الغيب " ( الانعام 50 ) . " و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء : إن أنا نذير و بشير لقوم يؤمنون " ( الاعراف 188 ) ، " و لا أقول لكم : عندى خزائن الله ! و لا ( انى ) اعلم الغيب ! و لا أقول : انى ملك ... إنى إذا لمن الظالمين " ( هود 31 ) . فالقرآن يشهد بامتناع المعجزة الغيبية على محمد ، كما يشهد بامتناع المعجزة الحسية عليه ( الاسراء 59 و 93 ، الانعام 35 ) .

و يرى السيد طبارة وجها جديدا من الاعجاز فى روحانية القرآن ( ص 42 ) التى أتت بمعجزتين : الأولى جعل العرب " أمة موحدة قوية تنشر الفضل و الفضيلة و الكمال فى أرجاء

معجزة القرآن ١٤٥

العالم المضطرب : أى حجة أكبر من هذه على أن القرآن وحى الهى ، و انه روح من عند الله " . و الثانية : " هذه الروحانية اشتملت على العلوم الإلهية و أصول العقائد الدينية و قوانين الفضائل و الآداب ، و قواعد التشريع السياسى و المدنى و الاجتماعى و غيرها من الأصول التى أتى بها القرآن ، و سبق بها كل الأوضاع البشرية التى من نوعها و التى يؤلف مجموعها الصرح الأدبى الضخم لهذه المدنية الحديثة ... كل هذا مشمول بالنص ، لا بالتأويل ، فى الأصول التى جاء بها القرآن فى القرن السابع الميلادى " ( ص 42 ) .

هذا ما يسميه " روح القرآن " ( ص 42 ) . و هو يستند إلى هذه الآية :" و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا : ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الإيمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و انك لتهدى ( قراءة أخرى أصح : لتهدى ) الى صراط مستقيم " ( الشورى 52 ) . وفاته ان تعبير " روحا من أمرنا " لا يعنى " روح القرآن " أو روحانيته ، بل ملاكا من عالم الأمر أى مخلوقا ، جاءه و هو معتكف فى غار حراء أمره ( الدخان 1 – 5 ) بالإيمان بالكتاب الذى جعله " نورا نهدى به من نشاء من عبادنا " ، لذلك يأمره : " قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) . لاحظ القرينة " من أمرنا " و القرآن غير مخلوق فى ملته و اعتقاده .

و السند الثانى للإعجاز فى العقيدة و الشريعة هو أيضا أمية محمد : " فكيف يستطيع رجل أمى لم يقرأ و لم يكتب ، و لا نشأ فى بلد علم و تشريع أن يأتى بمثل ما فى القرآن منها تحقيقا و كمالا ، يؤيده بالحجج و البراهين " ( ص 43 ) . و نعرف أن أمية محمد مبنية على تفسير خاص لاصطلاح قرآنى متواتر . وفاته ان القرآن ينقض الاعجاز فى العقيدة بقوله : " فبهادهم اقتده " ( الانعام 90 ) ، و هو فى الهدى مع الكتاب سواء : " قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ان كنتم صادقين " ( القصص 49 ) . كما ينقض الاعجاز فى الشريعة بقوله : " يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم " ( النساء 26 ) ، أى " الأنبياء فى التحليل و التحريم فتتبعوهم " ( الجلالان ) .

و الاعجاز فى الشرائع و الاخلاق و الآداب لمن يغلب الروح على الجسد ، و الآخرة على الدنيا ، و الدين على الدولة ، و الشريعة القرآنية دين و دولة ، دنيا و آخرة ، جسد و روح ، كما يرى العقاد نفسه ، فقد جمع القرآن مادية التوراة الى روحانية الانجيل فى " أمة وسط " .