١٤٦ معجزة القرآن

و بعد هل من تحد بإعجاز بمثله بعد قوله : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) .

فترى ان السيد طبارة فى هذا الفصل لم يأت بجديد ، بل كرر ما رددته الأجيال من قبله . و علماء العصر المسلمون لا يرون فيه معجزة .

أما الفصل الثانى ، " معجزات القرآن العلمية " فهو من حاجة المحتاجين إلى معجزة لإثبات النبوة . و القرآن مثل الانجيل و التوراة كتاب هداية دينية ، لا كتاب علوم كونية . مع ذلك فهو يقول فى مغالطات مكشوفة : " إن القرآن لم تكن مهمته أن يتحدث الى عقول الناس عن مشكلات الكون و حقائق الوجود العلمية ، و انما هو كتاب هداية و إرشاد للناس فى حياتهم الدينية و الدنيوية . و لكن مع ذلك لم تخل آياته من التعبيرات الدقيقة و لا من الإشارات الخفية الى حقائق كثيرة من المسائل الطبيعية و الطبية و الجغرافية ، مما يدل على اعجاز القرآن و كونه وحيا من عند الله . و من الثابت تاريخيا أن محمدا صلعم ، فضلا عن كونه أميا لا يقرأ و لا يكتب ، قد نشأ فى مكة حيث لم تكن علوم و لا معارف و لا جامعات و لا مدارس تقرأ فيها العلوم الكونية ، كما ان محمدا كان بعيدا عن ذلك المحيط العلمى الذى كان موجودا فى الشام و الاسكندرية و أثينا و رومية . و مع ذلك فإن النظريات العلمية التى أشار اليها القرآن لم تكن معلومة فى ذلك العصر فى القرآن السابع الميلادى ، و لم يكتشف العلم أسرارها إلا منذ أمد قريب " ( ص 44 ) .

هذا هو الجديد الذى أتى به السيد طبارة ، مع من يحذو حذوه : فى القرآن اعجاز علمى ، سبق العلم العصرى بنيف و ثلاثة عشر قرنا . هذه معجزة ضخمة لو صحت . لكنها فى ذاتها و فى ظروفها سراب بسراب . إن أساس هذا الاعجاز العلمى واه جدا ، و هو يبنيه على ثلاث ركائز ضعيفة : أمية محمد ، نشأته فى مكة البعيدة عن مراكز العلم ، و عدم اتصال محمد بتلك المراكز . وفاته أن قريش كانت سيدة التجارة بين أطراف الجزيرة ، و أن محمدا كان شيخ تجارها فى تجارة زوجه خديجة التى " كانت تجارتها تعدل تجارة قريش كلها " ، و القرآن يعد رحلتى الشتاء و الصيف الى اليمن و الشام من نعم الله عليهم ، و أن تجار قريش و سيدهم محمدا كانوا على اتصال بمراكز العلم فى اليمن و دول الشمال العربى حيث علم الروم و الفرس و الهنود يتسرب و يتفاعل ، و حيث كان محمد خصوصا يتصل بالاحبار

معجزة القرآن ١٤٧

و الرهبان حملة العلم فى كل زمان و مكان . و ورقة بن نوفل ، استاذ محمد بعد زواجه من ابنة اخيه خديجة ، كان محجة علم لأنه كان قسا على اتصال بالراهب بحيرة فى بصرى ، كما نقل الحديث و السيرة . و القرآن بنقل : " و أعانه عليه قوم آخرون " ( الفرقان 4 ) ، ان لم يصح قولهم فى القرآن نفسه ، فيصح فى " الكونيات " القرآنية ، و نعرف فى صحابته سلمان الفارسى ، صاحب فكرة الخندق ، و صيب الرومى ، و غيرهما . فقد كانت مكة أكبر سوق للتجارة و الثقافة فى الجزييرة ، و يحضرها التجار العرب و غيرهم ، و التجارة باب الى الثقافة . فإذا لم يذهب محمد فى طلب العلم الى الاسكندرية و الشام و أثينة و رومة ، فقد أتى أهلها بعلمهم و تجارتهم اليه فى مكة و فى أطراف الجزيرة . فأسس الاعجاز العلمى ساقطة .

ثم ان " التعبيرات الدقيقة و الإشارات الخفية الى حقائق علمية " لم يأخذها القرآن على حسب اصطلاحها كما يفعلون به ، و لم يفهمها المخاطبون العرب بحسب هذا الاصطلاح ، بل أخذها القرآن و فهموها بحسب معناها اللغوى ، مثل قوله فى الذرة : " من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره " ( 99 : 7 و 8 ) ، " لا يعزب عنه مثقال ذرة " ، " لا يملكون مثقال ذرة " ( 34 : 3 و 22 ) ، " لا يظلم مثقال ذرة " ( 4 : 39 ) : فالمعنى اللغوى بارز ظاهر ، و ر أدنى اشارة الى اصطلاح علمى . فالقرآن أخذ بلغة قومه و نظرة زمانه الى ظواهر الكون ، و لم يقصد إلى تحدى الناس بالاعجاز العلمى . و كيف فاتتهم عناصر التحدى الثلاثة للمعجزة : العمل الخارق للطبيعة ، التحدى به ، و سلامته من المعارضة لدى العالمين . فأى شىء من هذه العناصر الثلاثة لصحة المعجزة فى " الكونيات " القرآنية ؟ ! حسب أهل المنحى العلمى فى موقف القرآن من كروية الأرض ، فقال مثل أهل زمانه بأنها مبسوطة ، و لذلك سموها " البسيطة " . انظر الى قوله : " و الله جعل لكم الأرض بساطا " ( نوح 19 ) أى " مبسوطة " ( الجلالان ) ، " و الأرض بعد ذلك دحاها " ( النازعات 30 ) أى بسطها و كانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو " ( الجلالان ) : أهذا فى النص و التفسير من العلم فى شىء ؟ و كل تعابيره تدل على أن الأرض مبسوطة لا كروية : " و اذا الأرض مدت " ( 84 : 3 ) ، " و الأرض مددناها " ( 15 : 19 ) ، " و هو الذى مد الأرض " ( 13 : 3 ) ، " ألم نجعل الأرض مهادا " ( 78 : 6 ) ، " جعل لكم الأرض مهدا " ( 20 : 53 ، 43 : 10 ) ، " جعل لكم الأرض فراشا " ( 2 : 22 ) ، " و الأرض فرشناها " ( 51 : 48 ) . و يلاحظ الجلالان أن قول القرآن يخالف قول " علماء الهيئة " . و هل صحيح ان