١٤٨ معجزة القرآن

الجبال رواسى تثبت الأرض و تمنعها أن تميد بالشر بحسب قوله : " و ألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم " ( 16 : 15 ) أى " جبالا ثوابت تتحرك بكم " ( الجلالان ) . و المعجز عنده أن السماوات قائمة بغير عمد تحملها ، و جبال الأرض تمنعها من أن تتحرك : " خلق السماوات بغير عند ترونها ، و ألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم " ( 31 : 10 ) . و العلم عنده أن السماء " سقف " للأرض : " و جعلنا السماء سقفا " ( 21 : 32 ) أى " سقفا للأرض كالسقف للبيت " ( الجلالان ) .

 و نحن نقول : إن هذه التعابير لغوية بيانية تقول بظواهر الكون كما فهمها أهل زمانه ، و تشنيع على القرآن إذا أخذ بها بحسب اللغة و مجازها و بيانها . لكن هذا الواقع يمنع أمثال السيد طبارة من أن يرى معجزات علمية فى بعض أوصاف القرآن الكونية مثل : وحدة الكون و سر الحياة ( الأنبياء 30 ) ، نشأة الكون من دخان ( فصلت 9 – 11 ) ، تمدد الكون و سعته ( الذاريات 47 ) ، تحركات الشمس و القمر و الكرة الأرضية ( يسن 38 – 40 ) ، وجود أحياء فى السماء ( أى الفضاء الكونى ) ( الشورى 29 ، الاسراء 44 ، و 55 ، مريم 93 ) ، نقص الأوكسجين فى الارتفاعات ( الأنعام 125 ) ، تقسيم الذرة ( يونس 61 ) ، الزوجية فى كل شىء ( الذاريات 49 ) ، تلقيح السحاب ( النور 43 ، الحجر 22 ) ، اهتزاز الأرض بسبب المطر ( الحج 5 ، حم السجدة 27 ) ، توازن العناصر الكونية ( الرعد 8 ، الحجر 19 ) ، الأمواج الداخلية و السطحية ( النور 40 ) ، عالم الحيوان و الطير " أمم أمثالكم " فهو شبيه بعالم الانسان ( الانعام 38 ) ، مراحل نمو الجنين ( المؤمنون 12 – 14 ) ، أغشية الجنين فى " ظلمات ثلاث " ( الزمر 6 ) ، مصدر تكون الانسان من " الظهر " ( الاعراف 172 ) ، كيفية تكون الذكر و الأنثى من منى الرجل وحده الحامل صبغيات ذكرية أو أنثوية ( القيامة 37 – 39 ) ، الحيوان المنوى للانسان يشبه العلق ( العلق 1 و 2 ) ، اختلاف بصمات الانسان ( القيامة 1 – 4 ) . إذا أضفنا اليها العسل الذى " فيه شفاء للناس " ( النحل 68 – 69 )، فتلك عشرون معجزة علمية للقرآن تشهد بأنه " وحى إلهى " ( ص 44 – 59 ) .

يقول السيد طبارة فيها : " و هذه ( تلقيح السحاب ) مسألة لم يكن شىء منها يخطر ببال بشر قبل هذا العصر " ( ص 54 ) ، " و هذه الآية ( خلق الانسان من علق ) معجزة بليغة من معجزات القرآن لم تظهر وقت نزولها و لا بعده بمئات السنين ، الى ان اكتشف

معجزة القرآن ١٤٩

المكروسكوب و عرف كيف يتكون الانسان من هذه الحيوانات " ( ص 58 ) . إن السيد طبارة بتسميته تلك الأوصاف الطبيعية " معجزات " يحيد عن جادة الصواب ، لأنه ليس فيها شىء من شروط المعجزة كما حددها علماء الكلام ، و لا اتخذها القرآن معجزة له على الاطلاق . و هو " يحرف الكلم عن مواضعه " ليقوله ما لا يريد ، ليرى فيه إعجاز علميا . فيه ما يرونه من اعجاز علمى ، فقد خاطب القرآن أهل زمانه و المسلمين ، قبل ثلاثة عشر قرنا بما لا طاقة لهم بمعرفته و فهمه ، و خطاب يعجز الناس عن إدراكه ليس بمعجز على الاطلاق . و القول الفصل هنا أيضا أن المعجزة منعت مبدئيا عن محمد ، و امتنعت عليه واقعيا ، فاكتشاف معجزات فى القرآن تناقض معه و نقض له .

11 – نختم ، من حيث وجب أن نبدأ ، بالسيد مصطفى صادق الرافعى فى ( إعجاز القرآن ، و البلاغة النبوية ) . صدر سنة 1923 . و لدى الطبعة الخامسة من سنة 1952 . لقد حاول الرافعى ان يفتح فتحا جديدا فى معجزة القرآن ، غير ما تداوله أهل الاعجاز ، فجاء كتابة قسمين . الأول يحاول أن يجد معجزة تاريخية فى " تاريخ القرآن " ( ص 30 – 74 ) " فالقرآن معجز فى تاريخه دون سائر الكتب ( ص 175 ) ، وفاته التفسير الصحيح لحديث الاحرف السبعة كما فصله الطبرى ، و معجزة لغوية فى تخليد العربية بخلود القرآن ( ص 74 – 86 ) وفاته تاريخ توحيد اللغات من قبل القرآن و من بعده ، فها التوراة تخلد العبرية ، و الانجيل يخلد اليونانية ، و معجزة سياسية فى تكوين القرآن للعرب دولة تفتح العالم و تؤدبه بأدب القرآن ( ص 86 – 99 ) ، و فاته تاريخ تكوين الامم و الامبراطوريات من قبل الاسلام و من بعده ، و معجزة اجتماعية بالاعجاز الأدبى الذى لقن الناس آداب الفطرة فى الاجتماع الانسانى ( 99 – 125 ) ،و فاته ان الفتح العربى لم يأت دول الهند و الفرس و الروم إلا بالدين ، و استجمع الاسلام حضارته من صفوة الحضارات المغلوبة ، و معجزة علمية ، و هى على نوعين ، الأول كان القرآن على أساس العلوم العربية كلها – و هذا لا مماراة فيه ، و الثانى " الآيات الكونية و العلمية فى القرآن " ( ص 126 – 155 ) فكان الرافعى على أساس القول بالاعجاز العلمى المشبوه فى القرآن . تلك خمس معجزات ليس فيها شرط من شروط المعجزة كما حددها المتكلمون من قبله . إنها من أفضال القرآن ، لا معجزات له .

يبقى القسم الثانى يسميه " إعجاز القرآن " ( ص 156 ) كما ورثه عن أسلافه . لكنه جدد البحث فيه و طوره الى مداه .