١٥٨ معجزة القرآن

5 – أصحيح أن " المعجزات لم تصلح من قبل وسيلة لإقناع " ؟

قال الاستاذ عبد الله السمان 1 : " و قد شق محمد لدعوته طريقه الى القلوب و العقول غير مؤيد بالخوارق – التى لم تصلح من قبل وسيلة لإقناع " .

نسجل على الاستاذ تصريحه المتواتر بأن الدعوة القرآنية لم تؤيد بمعجزة . لكن نأخذ عليه و على أمته فلسفة هذا الواقع القرآنى : " إن المعجزات لم تصلح من قبل وسيلة لإقناع " .

و ها الكتاب شاهد على ان الدعوة الموسوية لم تنجح فى مصر ، و لم تنجح مع بنى اسرائيل إلا بفضل المعجزة . و ها الدعوة المسيحسة فإنها لم تنجح و تكتسح العالم ، إلا بفضل المعجزة ، و قيامة المسيح و رفعه حيا الى السماء ، و ذلك معجزة المعجزات .
و القرآن نفسه شاهد عدل على ان الدعوة السماوية تقوم أولا على المعجزة . فإن القصص القرآنى يشغل حيزا كبيرا من القرآن ، و ما يقصه إلا للتمثيل لأهل زمانه المشركين . و كل قصصه يقوم على ذكر الدعوة و المعجزة التى أيدتها ، و يختمه بمثل قوله : " و تلك الأمثال نضربها للناس " ( العنكبوت 43 ، الحشر 21 ) ، " يضرب الله الأمثال " ( الرعد 17 ، ابراهيم 25 ، النور 35 ) ، " و ضربنا لكم الأمثال " ( ابراهيم 45 ) . فجدلية القرآن مع المشركين فى قصصه هى لإقامة الحجة عليهم بدعوة الرسل و معجزاتها .

و القرآن المكى صراع متواصل مع المشركين على تحديهم محمدا بمعجزة كالأنبياء الأولين لكى يؤمنوا به : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله " ( الانعام 124 ) ، ثم يتهمون النبى بشتى التهم إذ لم يأتهم بآية معجزة : " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " ( الأنبياء 5 ) . و يذهبون الى الأقسام المغلظة أنهم يؤمنون اذا جاءهم محمد بمعجزة : " و أقسموا بالله جهد ايمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ! قل : انما الآيات عند الله ! " ( الانعام 109 ) . إن أهل مكة يجادلون محمدا فى المعجزة وسيلة للإقناع . فالمعجزة دليل النبوة الأوحد فى نظرهم و فى نظر القرآن . لذلك يسجل عجزه عن معجزة ، و امتناعهم عن الايمان : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ، اذ جاءهم الهدى ... إلا ان تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) .


1 محمد الرسول البشر ، ص 89 .
معجزة القرآن ١٥٩

فالمعجزة " سلطان الله المبين " للبرهنة على صحة النبوة مع الأولين و مع الآخرين و مع العالمين .

فما من رسالة من السماء آمن بها الناس إلا عن طريق المعجزة . لذلك هى الشهادة القاطعة فى التوراة و الانجيل و القرآن . إنها الوسيلة الوحيدة لإقناع الناس ، و الواقع القرآنى شاهد عدل .

فالقول بأن الخوارق لم تصلح وسيلة للإقناع ينقض القرآن الصريح و التاريخ الصحيح .

6 – هل سبيل النبوة الصحيح هو الإقناع بالمنطق السليم ؟

قيل : " بعد أن بلغ الناس سن الرشد ، لا يصلح لإقناعهم سوى المنطق السليم " . و قال السيد الصادق 1 : " فلما بدأ النوع الانسانى يدخل فى سن الرشد ، و بدأت الحياة العقلية تأخذ طريقها الى الظهور و النماء ، لم تعد تلك العجائب هى الأدلة الوحيدة على صدق الرسالة " .

نقول : ان مثل هذه الأقوال يتنافى وواقع التاريخ و البشرية . إن دعوة المسيح ، بشهادة الانجيل و القرآن ، قامت على المعجزة ، و كانت بيئة المسيح ملتقى الحضارات و جماع الثقافات ، فخاطبهم بالحكمة و المعجزة . فهل بلغت بيئة القرآن الجاهلية سن الرشد حين نزول القرآن ، أكثر من أهل فلسطين تحت الحكم الرومانى و الثقافة الكتابية و الهلنستية ، حتى يخاطبهم بالحكمة من دون المعجزة ؟ !

و هل بلغت الجماهير فى العالم الاسلامى ، فى عصرنا ، سن الرشد ، حتى لا يصلح لإقناعهم سوى المنطق السليم ؟ إن الناس الذين يقادون أو ينقادون بالمنطق السليم فى البشرية كلها ، هم قلة محدودة فى كل أمة . و ستظل البشرية فى سوادها شعبا لا يفهم الحق بالمنطق السليم ، و لا تؤمن إلا عن طريق المعجزة ، لأنها بالفطرة " سلطان مبين " من الله ، و " سنة " النبيين الى يوم الدين .

و القرآن المكى شاهد عدل على ان سبيل النبوة الصحيح ليس الإقناع بالمنطق السليم . فقد ظل القرآن يخاطب أهل مكة " بالحكمة و الموعظة الحسنة " مدة اثنتى عشرة سنة ، فما


1 العقائد الإسلامية، ص 216.