١٩٢ معجزة القرآن

و هذا لم يجتمع لأحد من عظماء البشرية . كان محمد عبقرية دينية ... و كان محمد عبقرية سياسية ... و كان عبقرية دبلوماسية ... و كان محمد عبقرية عسكرية ... و كان محمد عبقرية إدارية ... و كان محمد عبقرية تشريعية ... و أخيرا كان محمد عبقرية أدبية " ( ص 1065 – 1067 ) .

لكن هذه المجموعة الفريدة من العبقريات كانت مغمورة بمظاهر " بشريته " يعلنها القرآن فى حياته الشخصية ، و حياته الزواجية ، و حياته النبوية ، و حياته الجهادية . فالقرآن يضعنا على الصراط المستقيم فى تقدير شخصية النبى العربى حق قدرها ، بهذا الاعلان المتواتر : " قل إنما أنا بشر مثلكم ، يوحى الى ... " ( فصلت 6 ، الكهف 110 ) . و اذا طولب ، كما يطالب النبيون ، بشىء من علم الغيب أو المعجزة ، يصيح : " قل : " سبحان ربى ، هل كنت إلا بشرا رسولا " ! ( الاسراء 93 ) .

يقول الاستاذ السمان 1 : " و الذى لا مرية فيه أن محمدا كان بشرا بكل ما فى هذه اللفظة من معنى ، و بكل ما ينطبق عليها من سنن الكون و ظروف الطبيعة . ولد كما يولد البشر ! و عاش كما يعيش البشر ! و مات كما يموت البشر . لم يشذ عن سنن الطبيعة ، و لم يقدر له أن يمتاز عن مجريات أحوالها . و ما امتاز به عن البشر ، قد انحصر فى تكليف الله إياه مهمة الوحى ، ليكون مبلغا عن الله و داعيا اليه بإذنه . و لعل ما جاء فى كتاب الله عز و جل ، قد وضع النقاط على الحروف ، و لم يدع مجالا لذرة واحدة من الشك : " قل إنما أنا بشر مثلكم ! يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا " ( الكهف 110 ) . كذلك قوله : " قل إنما أنا بشر مثلكم ! يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد ، فاستقيموا اليه و استغفروه ! وويل للمشركين " ! ( فصلت 6 ) .
و يقول أيضا : " ومحمد – صلوات الله عليه – كان بشرا ككل الرسل : ولد كما يولد البشر ! و عاش و مات كما يعيشون و يموتون ! و لم تكن الرسالة التى كلفها لتخرجه عن حدود البشرية و طبائعها و سننها ... له امكانيات البشر ، و ليس له فوقها ذرة واحدة : " قل : لا أملك لنفسى نفعا و لا ضرا ، إلا ما شاء الله ! و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما منسى السوء " ( الاعراف 188 ) ، " قل : لا أقول لكم عندى خزائن الله ! و لا أعلم الغيب ! ولا أقول لكم : انى ملك ، إن أتبع إلا ما يوحى إلى " ( الانعام 50 ) .


1 محمد عبد الله السمان : محمد الرسول البشر ، ص 10 ثم 22 .
معجزة القرآن ١٩٣

من يتلو القرآن لا يتمالك من مقابلة هذه الصورة لمحمد بصورة المسيح فى القرآن : ولد من أم بتول لم يمسسها بشر ، يكلم الناس فى المهد و كهلا ، يطلع على علم الغيب ، و يرتفع فى سلطان المعجزة ، بإذن الله ، الى مشاركة الخلق – بدون شرك – فى السلطان على إحياء الموتى ، و فى السلطان على الخلق : " و اذ تخلق " ( آل عمران 45 – 47 ، المائدة 110 ) . فتلكما العبقرية و " البشرية "عند محمد تحدان الأعجاز فى سيرته الشخصية ، و البيتية ، و النبوية ، و الجهادية .

بحث أول

سيرة محمد الشخصية

نبدأ بالناحية الايجابية فى شهادة القرآن :

يقول : " ن ، و القلم و ما يسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون ! و ان لك لأجرا غير ممنون ! و انك لعلى خلق عظيم " ( القلم 1 – 4 ) . أجل انه لخلق عظيم تحمل اعباء الدعوة بين المشركين ، فى سبيل التوحيد .

و يقول : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم " ( التوبة 128 ) ، " فبما رحمة من الله لنت لهم : و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ( آل عمران 159 ) . ان غيرة محمد على انقاذ بنى قومه من الشرك ، و حكمهم فى الاسلام لله ، جعلته من " أولى العزم " من المرسلين . و ان غيرته على ايلاف المؤمنين تظهر فى لينه بمعاملتهم .

فكان سراجا منيرا فى جاهلية العرب : " يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الى الله بإذنه ، و سراجا منيرا " ( الأحزاب 45 – 46 ) .

و كان برسالته رحمة : " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ( الأنبياء 107 ) ، يكفهم عن الشرك بدعوته : " و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا " ( سبأ 28 ) .