١٩٤ معجزة القرآن

أما الناحية السلبية التى يشهد لها القرآن فهى :

أولا : حب السيطرة و التمتع بطيبات الحياة فطرة فى الإنسان خضع لها محمد

1 – فالقرآن يردعه عن السيطرة على المؤمنين : " فذكر إنما أنت مذكر ! لست عليهم بمصيطر " ( الغاشية 21 – 22 ) . و يأمره : " و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " ( الشعراء 215 ) ، " و من تولى ، فما أرسلناك عليهم حفيظا " ( النساء 80 ) ، " و ما جعلناك عليهم حفيظا ، و ما أنت عليهم بوكيل " ( الانعام 107 ) .

2 – و القرآن يردعه عن الغيرة من سلطان الزعماء و ثرائهم : " لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم ! و لا تحزن عليهم ! و اخفض جناحك للمؤمنين ! " – الحجر 88 ) . فقد كان يريد مثلهم زينة الحياة الدنيا : " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه . و لا تعد عيناك عنهم ، تريد زينة الحياة الدنيا " ( الكهف 28 ) .

3 – أجل كان النبى يدعو الى الزهد بالدنيا فى سبيل الآخرة ، لكنه كان يدعو أيضا إلى أن يأخذ الانسان نصيبه من الحياة الدنيا . فدعوة الزهد فى القرآن " أمة وسط " بين الروحانية المفرطة و بين المادية المفرطة . فهو يسير ما بين افراط و تفريط .

لكن الدعوة القرآنية للتمتع بطيبات الدنيا لا حد لها : " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، و اشكروا الله ، إن كنتم إياه تعبدون " ( البقرة 172 ) ، " يسألونك : ماذا أحل لهم ؟ قل : أحل لكم الطيبات " ( المائدة 4 ) . فالمبدأ العام فى الدعوة القرآنية : " اليوم أحل لكم الطيبات " ( المائدة 5 ) . و يمن عليهم ان الله بالاسلام " أيدكم بنصره و رزقكم من الطيبات " ( الأنفال 26 ) .

و الدعوة القرآنية للتمتع بطيبات الدنيا تزيد على الدعوة التوراتية يقول : " يا بنى اسرائيل ... كلوا من طيبات ما رزقناكم ، و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى " ( طه 80 – 81 ، قابل البقرة 57 ) ، " و لقد بوأنا بنى اسرائيل مبوأ صدق و رزقناهم من الطيبات " ( يونس 93 ) ، كما " لقد كرمنا بنى آدم ... و رزقناهم من الطيبات " ( الاسراء 70 ) . أجل " و لقد آتينا بنى اسرائيل الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة ، و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على العالمين " ( الجاثية 16 ) . فقد كرم الله بنى إسرائيل بالكتاب و النبوة ،

معجزة القرآن ١٩٥

و الطيبات من الرزق ، و التفصيل على العالمين : فكانوا بذلك مثالا للمسلمين : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ، و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " أى المشركين ( الجاثية 18 ) . فالمبدأ العام فى القرآن : " يا أيها الرسل ، كلوا من الطيبات ، و اعملوا صالحا ، إنى بما تعملون عليم " ( المؤمنون 51 ) .

لذلك من أهداف الدعوة القرآنية على لسان النبى الأمى لأهل الكتاب أنه " يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات ، و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التى كانت عليهم " ( الأعراف 157 ) ، لأنه " بظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " ( النساء 160 ) . فالقرآن يزيد على التوراة فى تحليل الطيبات و زينة الحياة الدنيا ، و يخصها بالمؤمنين يوم القيامة : " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده ، و الطيبات من الرزق ؟ قل : هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة " ( الأعراف 32 ) . لذلك ختم الدعوة القرآنية بقوله : " اليوم أحل لكم الطيبات " على الاطلاق ( المائدة 5 ) .

4 – و القرآن يزخر بمظاهر " بشرية " الرسول العربى : منها تبرم النبى بضعاف المؤمنين : " عبس و تولى أن جاءه الأعمى ... ! أما من استغنى فأنت له تصدى ... ! و أما من جاءك يسعى و هو يخشى فأنت عنه تلهى ! " ( عبس 1 – 10 ) .

و منها طرد فقراء المؤمنين بحضرة صناديد قريش : " و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه ! ما عليك من حسابهم من شىء ! و ما من حسابك عليهم من شىء ، فتطردهم ، فتكون من الظالمين " ( الانعام 52 ) . قال الجلالان : كان المشركون طعنوا فى حقارة جماعته الأولى و طلبوا منه أن يطردهم ليجالسوه ، و أراد النبى صلعم ذلك طمعا فى إسلامهم ، فعاتبه ربه هذا العتاب القاسى .

و منها قهر اليتيم و نهر السائل : " فأما اليتيم فلا تقهر ! و أما السائل فلا تنهر ! " ( الضحى 9 – 10 ) . هل حدث ذلك مرة واحدة أم أكثر ؟

و منها الدعاء و الهزء بعمه أبى لهب و زوجه : " تبت يدا أبى لهب ، و تب ! ما أغنى عنه ماله و ما كسب : سيصلى نارا ذات لهب ! و امرأته حمالة الحطب ، فى جيدها حبل من مسد " ( سورة تبت أو اللهب ) .