١٩٦ معجزة القرآن

و منها ما رد شتيمة على قائلها : " إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك و انحر ! إن شانئك هو الأبتر ! " ( الكوثر كلها ) . قال الجلالان : " نزلت فى العاص بن وائل : سمى النبى صلعم أبتر ، عند موت ابنه القاسم " .

5 – و ينقل الاستاذ السمان 1 ، عن السيرة و الحديث بعض " طبائع و غرائز " .

كان أحيانا يغضب و يدعو على المؤمنين : " اللهم إنما أنا بشر أغضب و آسف ، كما يغضب البشر ! فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعلها له رحمة " .

فى مفاجأته بمعركة بدر يصلى و كأنه يتحدى ربه : " اللهم إن تظهر هذه العصابة ، يظهر الشرك ، و لا يقم لك دين " !

و فى غزوة بئر معونه قتل نحو سبعين من قراء القرآن ، فانفعل كثيرا ، ظل يبدأ صلاة الصبح بضع عشرة ليلة بهذا الدعاء : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ! اللهم عليك ببنى لحيان ، و زغب و رعل و ذكوان و عصية ! فإنهم عصوا الله و رسوله " .

و اعتبر عمر بن الخطاب و زعماء المسلمين صلح الحديبية إهانة لكرامتهم . فأخذ عمر يقول للرسول على مشهد من الناس : لم نعطى الدنية فى ديننا ! و حين أمر الرسول بالرحيل ، لزم عمر يرددها عليه ثلاثا ، فأجابه عند الثالثة : " ثكلتك أمك يا عمر ! بدرت رسول الله ثلاث مرات ، و كل ذلك و لا يجيبك " !

فى سرية بنى مرة ، قبل الفتح ، قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس ، بعد نطقه بالشهادة : لا إله إلا الله . و بلغ الخبر محمدا ، فقال لأسامة ! و قد قال : لا إله إلا الله ؟ فجعل أسامة يقول : انما قالها تعوذا من القتل . فقال الرسول منفعلا : أفلا شققت عن قلبه ، فتعلم أصادق أم كاذب ؟ هذه غضبة للحق !

و حين فتح مكة بعث النبى خالدا بجيش إلى بنى خذيمة بأسفل مكة . فخافوا و أسلموا . لكن خالدا أسرهم و أمر كل مسلم بقتل أسيره . فاختلف الناس و حدثت مشادة عظيمة أمام الرسول بين خالد بن الوليد و عبد الرحمان بن عوف . فانفعل محمد انفعالا شديدا ، و رفع يديه حتى رؤى بياض ابطه ، و هو يقول : اللهم إنى أبرأ اليك مما صنع خالد !


1 محمد الرسول البشر ، ص 24 – 39 .
معجزة القرآن ١٩٧

كان بنو قريظة يبالغون فى المؤامرة على الاسلام ، و قد تحالفوا مع احزاب قريش فى غزوة الخندق ، و لولا دبلوماسية النبى للتفريق بينهم ، لأطبقوا من خارج و من داخل على المسلمين . فلما ارتحلت الأحزاب غزا محمد قريظة و هو يقول لهم : يا اخوة القردة و الخنازير ، و عبدة الطواغيت ، أتشتمونى ! ؟

و بعد غزوة حنين ، فضل " المؤلفة قلوبهم " من قريش بالعطاء ، فقال أحدهم : و الله ان هذه القسمة ما عدل فيها ، و ما أريد بها وجه الله ! فبلغ الخبرالنبى ، فانفعل و أجاب مستنكرا : فمن يعدل ، اذالم يعدل الله و رسوله ؟ ! و فى رواية أخرى ، قال له رجل من بنى تميم : يا رسول الله أعدل ! فقال له الرسول : ويلك ، و من يعدل اذا لم أعدل ؟ قد خبت و خسرت إن لم أكن أعدل ! – إنها الوان من الانفعالات و الثورات النفسية ، حين تمس الكرامة الشخصية .

و فى معركة أحد قتل حمزة عم النبى الذى به و بعمر بن الخطاب أعز الله الاسلام . فثار محمد ثورة عارمة ، و جعل يتوعد بأنه فى سبيل حمزة سوف يمثل بسبعين رجلا منهم . و نسى قول القرآن : " و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " . و مضت ست سنوات كاملة لم تهدأ ثورة محمد فى نفسه . و جاء فتح مكة ، فأهدر محمد دماء و حشى بن جرب قاتل حمزة . ففر إلى الطائف . ثم رجع مسلما مع وفدهم . لكن ما رآه محمد حتى صاح فيه : غيب وجهك عنى " !

و قبل وفاته قرر إرسال بعثة لغزو الروم ، و أمر على رأسها الفتى أسامة بن زيد ، فاستاء كبار المهاجرين و الأنصار ، و أخذ نوع من التمرد يجتاح الجماعة . و كان المرض قد بلغ منه مبلغه . فكابر على نفسه و أتى المسجد و صعد المنبر ، و قد عصب رأسه من شدة الوجع ، و خاطب المسلمين : " فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأميرى أسامة ؟ و الله لئن طعنتم فى إمارتى أسامة ، لقد طعنتم فى إمارتى أباه من قبل . و ايم الله ، إن كان للإمارة لخليقا ! و ان ابنه من بعده لخليق للإمارة . و إن كان لمن أحب الناس إلى " . فالنبى يثور و هو على فراش الموت لمخالفة أوامره .

و تلك الانفعالات النفسية الطارئة التى تبلغ حد الغليان و الثورة النفسية ، كانت تتحول أحيانا ، بضغط الظروف ، الى كبت بضيق به صدره ضيقا شديدا . و هنا القرآن