٢٢٤ معجزة القرآن

أولا : حياة محمد قبل النبوة : " وجدك ضالا فهدى "

لم يولد محمد ، مثل المسيح ، على الهدى و النبوة .

لم يقطع القرآن بحق المسيح أنه ولد نبيا : " قال ( فى مهده ) : انى عبد الله آتانى الكتاب و جعلنى نبيا " ( مريم 30 ) ، و عاش نبيا رسولا فى طفولته كما فى كهولته : " و إذا قال الله : يا عيسى ، ابن مريم ، اذكر نعمتى عليك و على والدتك إذ أيدتك بروح القدس : تكلم الناس فى المهد و كهلا ، و اذ علمتك الكتاب و الحكمة ، و التوراة و الانجيل " ( المائة 110 ، قابل آل عمران 45 – 46 ) . و هذه ميزة استعلى بها المسيح على الأنبياء و المرسلين أجمعين .

و يقطع القرآن و الحديث و السيرة بأن محمدا اهتدى إلى النبوة كهلا فى سن الأربعين ، بعد خمس عشرة سنة من زواجه بخديجة بنت خويلد ، ابنة عم ورقة بن نوفل قس مكة .

ففى القرآن إشارة الى ما قبل البعثة فى قوله : " قل : لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدراكم به : فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " ( يونس 16 ) ، فإنه " لم يكن يعلم من نبوته شيئا قبل نزول الوحى عليه " ( دروزة ) .

و التصريح الصريح عن حال محمد قبل البعثة قوله : " ألم يجدك يتيما فآوى ؟ ووجدك ضالا فهدى ؟ ووجدك عائلا فأغنى " ؟ ( الضحى 6 – 8 ) .

علق عليها دروزة 1 بقوله : " إن آيات سورة الضحى ( 6 – 8 ) من أقوى و أوضح النصوص القرآنية فى نشأة النبى صلعم و حياته الى مبدإ الوحى ، إذ تقرر الآيتان الأولى و الثالثة 1 ) ما هو من البدائه المعروفة اليوم من أن النبى كان يتيما ، و انه نشأ فى حضانة رحيمة من جده ثم من عمه أبى طالب ... استمرت حتى انقلبت الى حماية قوية من عمه كما يدل معنى " الايواء " . 2 ) أنه كان فقيرا فأغناه الله و أخبار السيرة التى لا اختلاف فى جوهرها و لا تناقض تذكر ظروف ذلك على ما هو معروف من صلة السيدة خديجة بنت خويلد ر . عن طريق عمله لها فى التجارة ، و اقترانه بها نتيجة لهذه الصلة ... هذه الصلة التى كانت فاتحة عهد جديد ، بل حادثا حاسما فى حياة السيد الرسول صلعم كان له أكبر الأثر فى الاتجاه النهائى الذى اتجه اليه . و تهيأت به نفسه و قواه الروحية لتلقى الرسالة العظمى


1 سيرة الرسول 1 : 28 – 30
معجزة القرآن ٢٢٥

و النهوض بها ، إذا أغناه الله عن الضرب فى الأرض فى سبيل الرزق ، فاستطاع أن يتمتع فى جانب السيدة بالحياة العائلية الهنيئة من جهة ، و أن يتفرغ من جهة أخرى بنفسه و قلبه و فكره و روحه للتدبر فى ملكوت الله و آلائه ، و القيام برياضاته أو اعتكافاته الروحية ، فارغ القلب من هموم المعيشة و ضروراتها " – على مثال معلمه ورقة بن نوفل قس مكة الحنيف " النصرانى " .

" أما الآية الثانية أى " وجدك ضالا فهدى " فإنها تقرر فيما نعتقد حالة ذات خطورة و دلالة كبيرتين فى صدد نشأة النبى صلعم الروحية . و لقد قال المفسرون : ان الآية تحتوى اشارة الى حادث تيهان وقع للنبى صلعم فى طفولته أو فى احدى رحلاته ، و رووا فى ذلك روايات . كما قالوا انها تعنى أنه كان غافلا عن الشريعة التى لا تتقرر إلا بالوحى الربانى . أو إنه كان حائرا فى أسلوب العبادة لله . و نفوا عنه على أى حال أن يكون ضالا أى مندمجا فى العقائد و التقاليد الشركية . و النفس لا تطمئن الى رواية تيهان النبى صلعم مضمونا و سندا ، بل انها ليست متسقة مع ما تضمنته الآية على أن المقصود الحيرة فى الطريق التى يجب أن يسار فيها الى الله و عبادته على أفضل وجه . و هو المعنى الذى نراه . و يعضد ذلك جملة : " ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الإيمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و إنك لتهدى الى صراط مستقيم " ( الشورى 52 ) .

 نقول : ان آية الضحى ( 7 ) و آية الشورى ( 52 ) تدلان على هدايتين لمحمد قبل بعثته : الهداية الأولى من ضلال الشرك الى التوحيد الكتابى ، تلك الهداية المقرونة بزواجه من السيدة خديجة ، ابنة عم ورقة بن نوفل قس مكة ، و هو الذي أشار عليها، على حدّ قول السيرة، بذلك الزواج إيلافا لهدايته. والهداية الثانية التي تشير اليها آيتا ( الشورى 15 م 52 ) كانت الى الايمان بالكتاب نفسه ، و الى الانضمام فى سلك النصارى المسلمين : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) ، و الى الدعوة للإيمان بالكتاب على طريقة موسى و عيسى معا : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا – و الذى أوحينا اليك – و ما وصينا به ابراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه ... و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب ، و أمرت لأعدل بينكم " ( الشورى 13 – 15 ) .

ففى آية الضحى ( 7 ) هداية الى التوحيد الكتابى ، فى كنف خديجة وورقة .