٢٢٦ معجزة القرآن

و فى آية الشورى ( 52 ) هداية الى تبليغ التوحيد الكتابى على طريقة موسى و عيسى معا ، و هذا ما يسميه الهداية الى ملة ابراهيم " قل : اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم ، دينا قيما ، ملة ابراهيم حنيفا ، و ما كان من المشركين " ( الأنعام 161 ) .

لاحظ اقتران التعابير الثلاثة : الصراط المستقيم ، و الدين القيم ، و ملة ابراهيم . و كلها صفات الاسلام " النصرانى " الذى أمر محمد بأن ينضم اليه ، و يتلو مع أصحابه النصارى من بنى اسرائيل قرآن الكتاب : " و أمرت أن اكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) فالمسلمون موجودون قبل محمد ، و هو ينضم البهم و يتلو معهم " القرآن " قبل القرآن العربى . و ما القرآن العربى سوى نسخة عن " القرآن " الذى معهم : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل ( النصارى ) على مثله " ( الاحقاف 10 ) .

فالهداية الثانية كانت الى النبوة ، نبوة التبليغ : فهو دعى " ليعلمهم الكتاب و الحكمة " أى التوراة و الانجيل ( البقرة 129 و 151 ، آل عمران 164 ، الجمعة 2 ) ، كما تعلمها المسيح من الله ( آل عمران 48 ، المائدة 110 ) .

ثانيا : حياة محمد النبوية : الأزمات الايمانية العشر

يظهر القرآن المكى تأديبا لمحمد فى التوحيد ، قبل أمته . فإن محمدا قد انتابته فى دعوته أزمات ايمانية خانقة ، تدل عليها ظواهر قرآنية غريبة .

ففى القرآن المكى ظواهر غريبة مريبة فى تحذير النبى من الشرك ، و تهديده فى ترك التوحيد ، و تحريضه على الاستقامة ، و أمره بالاستغفار من ذنبه .

الظاهرة الأولى هى تحذير محمد المتواصل من الانزلاق الى الشرك . فمنذ سورة ( القلم ) يقال له : " فلا تطع المكذبين : ودوا لو تدهن فيدهنون " ( 8 – 9 ) – و لا تحذير بدون سبب و يتواتر التحذير : " فلا تدع مع الله إلها آخر " ( الشعراء 213 ، القصص 88 ) .

الظاهرة الثانية هى تهديد النبى من ترك التوحيد و الميل الى الشرك : " فلا تكونن ظهيرا لكافرين ، و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت اليك ، و ادع الى ربك ، و لا تكونن من المشركين " ! ( القصص 86 – 87 ) . و تتنوع التهديدات فى سورة ( الانعام ) : " و لا

معجزة القرآن ٢٢٧

تكونن من المشركين " ! ( 14 ) ، " فلا تكونن من الجاهلين " ( 35 ) ، " و الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق : فلا تكونن من الممترين " ( 114 ) . و التهديد لمحمد صريح : " لئن أشركت ليحبطن عملك ، و لتكونن من الخاسرين " ( الزمر 65 ) ، و سببه صريح : " فلا تك فى مرية مما يعبد هؤلاء " ( هود 109 ) .

الظاهرة الثالثة هى الأمر بالاستغفار من ذنبه : " و استغفر لذنبك " ( غافر 55 ، محمد 19 ) . و دام هذا الأمر بالاستغفار لذنبه ، حتى آخر سورة نزلت فى المدينة : " فسبح بحمد ربك ، و استغفره إنه كان توابا " ( النصر ) . و التحذيرات و التهديدات المتواترة تدل على أن الذنب الأكبر كان فى شكه من صحة التوحيد : " فلاتك فى مرية مما يعبد هؤلاء " ( هود 109 ) .

الظاهرة الرابعة هى فى دعوة محمد الى الاستقامة فى دعوة التوحيد : " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك " ( هود 112 ) ، " فلذلك فادع ، و استقم كما أمرت " ( الشورى 15 ) .

و هكذا نرى ان القرآن نزل لتثبيت محمد فى التوحيد الكتابى قبل أمته : " و كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ! و جاءك فى هذه الحق و موعظة و ذكرى للمؤمنين " ( هود 120 ) ، " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك " ( هود 112 ) .

ثم ان تلك التحذيرات المتواترة ، و تلك التهديدات المتواصلة ، توضح معنى الازمات الإيمانية التى كان يقاسيها النبى من حين الى حين ، بطريقة متواترة فى " أم مسائل الاسلام جميعا : فى التوحيد " .

1 – الأزمة الايمانية الأولى كانت فى قصة الغلاانيق ، من سورة النجم ، و هى أول سورة أعلنها محمد فى مكة .

ففى ( أسباب نزول ) الآية ( 52 ) من سورة الحج ، " أخرج ابن أبى حاتم و ابن جرير ( الطبرى ) و ابن المنذر ، من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : قرأ النبى صلعم بمكة ( النجم ) فلما بلغ : " أفرأيتم اللات و العزى و مناة الثالة الأخرى ... " ألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى ، و ان شفاعتهن لترتجى " . فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا