٢٢٨ معجزة القرآن

بخبر قبل اليوم ، فسجد ، فسجدوا ، فنزلت : " و ما أنزلنا من قبلك من رسول و لا نبى ، إلا إذا تمنى ( قرأ ) ألقى الشيطان فى أمنيته ( قراءته ) ، فينسخ الله ما يلقى الشيطان ، ثم يحكم الله آياته " ( الحج 52 ) .

و قصة الغرانيق التى يحاول بعضهم انكارها ثابتة بالحديث و القرآن و النص نفسه . قال الاستاذ حسين هيكل ( 1 ) : " حديث الغرانيق أورده ابن سعد فى طبقاته الكبرى ، و الطبرى فى تاريخ الرسل و الملوك ، و أورده كثيرون من المفسرين المسلمين و كتاب السيرة ، و أخذ به جماعته المستشرقين " . قال الحافظ بن حجر : " كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ، مع ان لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير الطبرى " . و للقصة فى القرآن سند مبدئى أولا فى آية ( الحج 52 ) التى لا تفهم بدون القصة ، و ثانيا فى آية ( الزمر 45 ) : " و إذا هم يستبشرون " . جاء عنها فى ( اسباب النزول ) للسيوطى : " أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنها نزلت فى قراءة النبى صلعم ( النجم ) عند الكعبة ، و فرحهم عند ذكر الآلهة " . و القصة أيضا سند واقعى فى كل التحذيرات من الشرك ، و التهديدات من عاقبته ، التى تتواتر فى القرآن . أخيرا نص الآية المبتور يدل عليها : فإن فعل ( أفرأيتم ) يتعدى الى مفعولين ، و لا يتم المعنى بدونهما كليهما ، و المشهود أن المفعول الأول مذكور ، " اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرة " ، بينما الثانى محذوف ( عن الجلالين ) ، فالجواب ساقط ، كما يظهر ، و لا يسد مسده شىء فى النص . فإجماع القرآن و الحديث و السيرة برهان على صحة قصة الغرانيق . و قد ختموا الرواية هكذا : " جلس محمد فى بيته ، حتى اذا أمسى أتاه جبريل ، فعرض عليه النبى سورة النجم ( و فيها قصة الغرانيق ) فقال جبريل : أوجئتك بهاتين الكلمتين ؟ قال محمد : قلت على الله ما لم يقل " !

2 – الأزمة الإيمانية الثانية : التحذير المتواتر من الشرك .

وقعت الأزمة ما بين سورتى ( الاسراء ) و ( القصص ) . و هذه الأزمة لا تنسجم مع آية الاسراء فالمعراج . يقال للنبى : " و ما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب ، إلا رحمة من ربك : فلا تكونن ظهيرا للكافرين ! و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذا أنزلت اليك ! و ادع


1 حياة محمد – الفصل السادس
معجزة القرآن ٢٢٩

إلى ربك و لا تكونن من المشركين ! و لا تدع مع الله إلها آخر ! لا إله إلا هو " ( القصص 86 – 88 ) . تحذير صارخ ، و لا تحذير إلا من واقع !

و يعود القرآن الى التحذير نفسه فى ( الاسراء ) : " لا تجعل مع الله إلها آخر ، فتقعد مذموما مخذولا " ! ( 22 ) . و يكرر : " و لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا " ( 39 ) . و تعطى السورة سببين لهذه الفتنة . الأول نزغ الشيطان فى نفس الانسان : " و قل لعبادى يقولوا التى هى أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم ، ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا " ( 53 ) . يظهر ان الشيطان يتدخل فى الوحى ، و فى نفس النبى ، تسهيلا لفتنة محمد عما يوحى اليه : " و ان كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره ! و إذا لا تخذوك خليلا ! و لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ! إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات ، ثم لا تجد لك علينا نصيرا " ( 73 – 75 ) . إن الإشارة صريحة : لقد كاد محمد يركن الى المشركين شيئا قليلا .

علق على ذلك الاستاذ دروزة 1 : " سورة القصص تأتى فى الترتيب قبل سورة الاسراء ، و يلمح فى الآيات شىء مما جاء فى آيات ( الاسراء ) بصراحة أكثر ، إذ احتوت أمر للنبى صلعم بأن يشهد الله على المهتدى من الضال ، و تنبيها له بأن لا يظاهر و لا يواد الكافرين ، و بأن لا يدعهم يصدونه عما أنزل الله اليه ، و بأن لا يأتى بأى شىء فيه أى معنى من معانى اشراك أحد غير الله ، مع الله . و يلهم هذا ان النبى صلعم كان يختلج فى نفسه مسايرة الزعماء شيئا ما ، رغبة فى كسبهم الى صفه " .

إن آيات ( القصص ) و ( الاسراء ) تلهم أكثر من مسايرة : إن حملتهما المتواصلة مصبوبة على جعله مع الله إلها آخر ! و لا تحذير إلا من أمر محتمل الوقوع ! إنه التحذير المتواتر لمحمد نفسه من الشرك !

3 – الأزمة الايمانية الثالثة : التردد بين التوحيد العربى و التوحيد " النصرانى " .

كان هم محمد الأكبر " إيلاف قريش " لدعوته . فنزل " لإيلاف قريش ... فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع ، و أمنهم من خوف " . " رب البيت " إما هو إله


1 سيرة الرسول 1 : 197 .