٢٣٠ معجزة القرآن

التوحيد ، و إما هو إله الشرك . و حاشا للقرآن و النبى أن يدعوا لشرك . فكان " رب البيت " بالكعبة إله التوحيد . و هذه شهادة قرآنية على التوحيد القائم فى كعبة مكة . و بما انه ليس عند العرب من توحيد فلسفى مستقل ، و بما ان اليهودية كانت بعيدة عن مكة ، فالتوحيد العربى الملتزم فى الكعبة كان توحيدا مسيحيا . وهبه كان عربيا مستقلا . ففى سورة ( قريش ) يظهر تأييد القرآن لتوحيد قومه .

لكن القرآن كان دعوة " نصرانية " . فنزل التصحيح : " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ... و أمرت أن أكون من المسلمين " ( النمل 91 ) . إن " المسلمين " موجودون بمكة قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام اليهم . و نعرف أنهم كانوا النصارى من بنى إسرائيل ( الصف 14 ، الاعراف 159 ) . فالآية دليل على صراع فى نفس النبى بين التوحيد العربى ( لعله المسيحى ) و بين التوحيد " النصرانى " الاسلامى . و الآية شهادة قرآنية أيضا على أنتشار التوحيد العربى ( لعله المسيحى ) فى مكة . و هذا الصراع دام حتى نزول قوله : " إن المساجد لله ، فلا تدعوا مع الله أحدا " ! و أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ! قل : إنما أدعو ربى ، و لا أشرك به أحدا ! ... قل : انى لن يجيرنى من الله أحد ، و لن أجد من دونه ملتحدا " ( الجن 18 – 22 ) .

4 – الأزمة الايمانية الرابعة : فتنة النبى عما يوحى اليه

لقد مر بنا قوله : " و إن كادوا ليفتونك عن الذى أوحينا اليك ، لتفترى علينا غيره ، و اذا لاتخذونك خليلا ! و لولا ان ثبتناك ، لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ( الاسراء 73 – 74 ) . التصريح واضح : لقد كادوا يفتنون النبى عما يوحى اليه ، و كاد محمد ان يركن اليهم شيئا قليلا .

و نعرف من قصة الغرانيق ان ذلك وقع له ، و اعترف محمد بذلك : " قلت على الله ما لم يقل " !

و تأتى آية التبديل فى التنزيل فتزيد الأمر بيانا : " و إذا بدلنا مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : انما أنت مفتر ! " ( النحل 101 ) . فالتبديل فى آى القرآن وقع لمحمد ، بنص القرآن القاطع ، و إن كان ذلك بأمر الوحى نفسه . و الحادث مشهود ، لذلك شنع الكافرون على النبى . و هذا التبديل فى آى القرآن يسبب فتنة للناس و أزمة ايمانية لمحمد نفسه.

معجزة القرآن ٢٣١

5 – الأزمة الايمانية الخامسة : الشك من التنزيل القرآنى نفسه

إن فتنة محمد عن الوحى المنزل اليه وصلت فى منتصف العهد الثانى بمكة الى ذروتها ، حتى بلغت الشك من التنزيل القرآنى نفسه : " فإن كنت فى شك مما أنزلنا اليك ، فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك : لقد جاءك الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ! و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ، فتكونن من الخاسرين " ( يونس 94 – 95 ) .

هذه صورة قاتمة مؤلمة فى الحياة النبوية ، نشاهد فيها ذروة الصراع فى نفس محمد بين الايمان و الشرك ، فى " الشك ... و المرية ... و التكذيب بآيات الله " . أيشك نبى بما يوحى اليه ؟ أجل التصريح مشروط ، لكن التنويه بإمكان الشك فى نفس النبى من وحيه ، دليل أزمة إيمانية يعاينها محمد فى ما يوحى اليه .

و فى هذه الحالة القصوى من الصراع الوجدانى مع الوحى نفسه ، يحيل القرآن محمدا ، على عادته ، الى أساتذته من أهل الكتاب ، ليطمئنوه على صحة الوحى و الاسلام . و يظهر فضل " أولى العلم قائما بالقسط " – أى علماء النصارى من بنى اسرائيل و من تنصر معهم من العرب مثل ورقة بن نوفل ، قس مكة – على محمد ، بإرشاده الى " الحق " و نشله من المرية و الشك . فلا يحيله القرآن الى المعجزة ، بل إلى علماء النصارى ، و محمد يكتفى بذلك و يفخر به على اخصامه : " و يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) .

التجأ اليهم و اطمأن ، فخرج على الناس بهذا البلاغ المبطن بالتحذير : " قل : يا أيها الناس إن كنتم فى شك من دينى ، فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، و لكن أعبد الله الذى يتوفاكم ! و أمرت أن أكون من المؤمنين ! و أن أقم وجهك للدين حنيفا ، و لا تكونن من المشركين ! و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك ، فإن فعلت فإنك اذا من الظالمين " ( يونس 104 – 106 ) . فمن هم " المؤمنون " الذين أمر بالانضمام اليهم ؟ انهم النصارى من بنى إسرائيل كما تشهد كل قرائن القرآن . فالصراع قائم فى نفس محمد بين النصرانية و المسيحية و الشرك العربى . أخيرا وحيه يأمره بالانضمام الى النصارى " المؤمنين " ، " المسلمين " من قبله .