٢٣٤ معجزة القرآن

بهداه للمشركين ( القصص 49 ) . و القرآن نفسه ى يرى فى اعجاز القرآن معجزة له : فهو يصرح بأن المعجزة منعت على محمد منعا مبدئيا ( الاسراء 59 ) فى السورة عينها التى يعلن فيها التحدى بإعجاز القرآن ( الاسراء 88 ) الذى يعقب عليه باعلان العجز الواقعى المطلق ( الاسراء 90 – 93 ) . فهذه المحاصرة بالمنع المبدئى و الامتناع الواقعى برهان على أن القرآن نفسه لا يرى فى اعجازه معجزة إلهية له . و لو رأى محمد فى اعجاز القرآن معجزة له لكان هو أول المؤمنين من دون شك فى التنزيل ( يونس 94 ) ، و من دون محاولة لترك بعض ما يوحى اليه ( هود 12 ) و من دون مرية فى الوحى القرآنى ( هود 17 ) و من دون مرية فى ما يعبد أولئك المشركون ( هود 109 ) .

إن أزمات محمد الايمانية برهان قاطع على أن إعجاز القرآن ليس معجزة له .

8 – الأزمة الثامنة : حث النبى على الاستقامة فى الدين .

فى آخر العهد الثانى بمكة ، بعد تلك الأزمات الايمانية المتلاحقة المتراكمة ، أخذ القرآن يحث محمدا على الاستقامة فى الدين بطريقة سافرة : " إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق ، فاعبد الله مخلصا له الدين " ( الزمر 2 ) . و تكرار هذا الأمر ، فى هذه الفترة ، يحمل فى طياته معنى الشك و الريبة فى الاخلاص للدين : " ألا لله الدين الخالص ! و الذين اتخذوا من دونه أولياء – ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى – ان الله يحكم بينهم فى ما هم فيه يختلفون " ( الزمر 3 ) . و نشعر بخوف النبى فى شكه : " قل : إنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ! و أمرت أن أكون أول المسلمين . قل : إنى أخاف ، إن عصيت ربى ، عذاب يوم عظيم ! قل : الله أعبد مخلصا له دينى ، فاعبدوا ما شئتم من دونه " ! ( الزمر 11 – 15 ) .

إن الاستقامة فى الاخلاص للاسلام " النصرانى " تعوز النبى ، فيقال له : " فلذلك فأدع و استقم كما أمرت ، و لا تتبع أهواءهم ! و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب ! و أمرت لأعدل بينكم ! " ( الشورى 15 ) .

و الاستقامة عينها تعوز جماعة محمد فى هذه الفترة : " قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ، فاستقيموا له ، و استغفروه ! وويل للمشركين " ! ( فصلت 6 ) . و الحث على الاستقامة و الاخلاص يشمل النبى و جماعته معا " " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك ! و لا تطغوا ، إنه بما تعلمون بصير . و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار "

معجزة القرآن ٢٣٥

( هود 112 – 113 ) . " الذين ظلموا " كناية متواترة عن المشركين و عن اليهود : فهل انضم اليهود الى المشركين فى فتنة النبى عن دعوته ، منذ العهد المكى ؟

ان حث القرآن المتواتر على الاستقامة و الاخلاص ، فى آخر العهد الثانى بمكة ، دليل على أن أزمة الايمان قد بلغت ذروتها فى نفس محمد و جماعته ، حتى اضطر الى الهجرة الشخصية الى الطائف . علق الزمخشرى على ( هود 112 ) : " عن ابن عباس : " ما نزلت على رسول الله آية كانت أشد و لا أشق عليه من هذه الآية . و لهذا كان يقول : ( شيبتنى هود ) . قيل : ما الذى شيبك فيها ؟ قال : ( فاستقم كما أمرت ) ! ثم قال : أفتقر الى الله بصحة العزم " !

إن الافتقار المشهود للاستقامة و الاخلاص فى الدين الذى يدعو اليه ليس من الأعجاز فى الشخصية النبوية .

9 – الأزمة الايمانية التاسعة : التبديل فى آى القرآن

بعد الهجرة الشخصية الخاطفة الفاشلة الى الطائف ، قضى محمد السنتين الأخيرتين بمكة فى أزمة ايمانية عاتية ، نجم عنها ارتداد بعض جماعته عن الاسلام .

جاء فى سورة ( النحل 98 – 101 ) : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ... و إذا بدلنا آية مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : إنما أنت مفتر " !

إن تبديل آية بآية فى تنزيل القرآن أمر واقع ، بشهادة هذا النص القاطع . أما اقتران التبديل بالاستعاذة من الشيطان فى تلاوة القرآن ، فهو يوحى بأن التبديل فى القرآن كان يوسوسه الشيطان ! أإلى هذا الحد يصل سلطانه ؟ و لهذا شاهد فى سورة ( الحج 52 ) .

 و هذا التبديل اطلع عليه المسلمون و المشركون : فشنّع المشركون على النبى ، و حمل ذلك بعض المسلمين على الارتداد على الاسلام ! علق على ذلك السيد دروزة 1 : " إننا نرجح أن حادث الارتداد الذى أشارت اليه الآيات ( النحل 106- 109 ) كان بسبب و ظروف ما حكته الآيات التي سبقت هذه الآيات من تبديل آية بآية . و روح الآيات ، مضمونها فى الجملة ، يلهم أنها نزلت فى صدد حادث له صلة بالقرآن ، و يلهم أنه أوحى للنبى صلعم


1 سيرة الرسول 1 : 243 – 244 .