٢٣٦ معجزة القرآن

ببعض الايات لتكون مكان بعض آيات أخرى ، لفما تلا الجديدة و أهمل الأولى ، استغل زعماء الكفار ذلك ، فأخذوا يشنعون عليه ، و يهاجمون دعواه كون القرآن وحيا إلهيا ، و ينسبون اليه الافتراء و التعلم من الشخص الأجنبى المعين . و لعلهم قالوا : إن الشيطان هو الذى يوسوس له و يلقى عليه ، لا الملاك ، و أن التبديل دليل ذلك . و توسلوا بالاغراء ، الى جانب الاستغلال و التهويش . و كان من نتيجة ذلك ان ارتد بعضهم نتيجة لهذه الدعاية و استحبابا لمنافع الدنيا معا " . فكانت تلك الردة صدمة لمحمد ، زادته أزمة على أزمة .

10 – الأزمة الايمانية العاشرة : المحو فى آى القرآن

تدوم الأزمات الايمانية فى ضمير محمد حتى آخر العهد بمكة . فبعد أزمة التبديل ، تأتى أزمة المحو فى آى القرآن : " يمحو الله ما يشاء و يثبت . و عنده أم الكتاب " أى أصله ( الرعد 39 ) . فهل كان القرآن العربى المنزل بحاجة الى تنقيح ليطابق أصله ، " أم الكتاب " ؟ و الحدث أمر واقع ، بنص القرآن القاطع . و لنا شاهد من الحديث الذى يروى بأن محمدا كان يراجع جبريل كل سنة فى نص القرآن ، و فى آخر العهد بالمدينة مرتين فى السنة .

و تلك الحالة أوقعت اليأس فى نفس جماعته : " أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا " ( الرعد 31 ) .

و الأزمة الايمانية ، و الفتنة الناجمة عنها ، ظلتا قائمتين مدة العهد الأخير بمكة كله ، من سورة ( النحل ) الى سورة ( العنكبوت ) ، و هى من آخر ما نزل بمكة : " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا ، و هم لا يفتنون ؟ و لقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا ، و ليعلمن الكاذبين " ( العنكبوت 2 – 3 ) .

و حالات الأزمة الايمانية ، و الفتنة عن الاسلام ، و اليأس من الدعوة بمكة ، عجلت كلها بمفاوضات الهجرة الى المدينة .

تلك الأزمات الايمانية العشر أوصلت النبى و جماعته ، فى آخر العهد بمكة ، الى حالة اليأس ( الرعد 31 ) حتى جاءهم الفرج بالهجرة الى المدينة .

ان تلك الأزمات الايمانية المتلاحقة التى أوصلت محمدا و جماعته الى اليأس و الهجرة ، لا عهد لنا بمثلها فى سيرة الأنبياء الأولين . فهى لا تدل على اعجاز فى الشخصية النبوية ، بلغ حد المعجزة الإلهية التى تشهد له .

معجزة القرآن ٢٣٧

بحث رابع

سيرة محمد الجهادية

كانت الهجرة النبوية الى المدينة ثورة و انقلابا : انقلابا فى الرسول ، و انقلابا فى الرسالة ، و انقلابا فى طريقة الدعوة و انقلابا فى الاسلام كله .

و الانقلاب الأكبر فى طريقة الدعوة . كانت " بالحكمة و الموعظة الحسنة " مثل سائر النبيين ، فصارت بالجهاد ، و " بالحديد الذى فيه بأس شديد و منافع للناس " ( الحديد 25 ) . يقول محمد صبيح 1 : " و كانت مهمة النبى ، و هو يهاجر ، واضحة : و هى أن يكره قريشا على الاسلام بحد السيف ، بعد أن بذل لها النصح ثلاثة عشر عاما ، فلم تزدهم إلا عتوا " .

و الجهاد حول الدين الى دولة دينية . يقول عمر فروخ : " كان للهجرة قيمة خاصة فى تاريخ الاسلام : لقد كانت حدا فاصلا بين عهد كان فيه الاسلام دعوة دينية ، يحميها نفر قليلون مستضعفون ، و بين عهد أصبح الاسلام فيه دولة قوية مرهوبة " ؟

أولا : شريعة الجهاد و الحرب

شريعة الجهاد و القتال تملأ القرآن كله . " و الآيات القرآنية فى موضوع الجهاد قد شغلت من حيث كثرتها حيزا كبيرا يكاد يبلغ نصف القرآن المدنى . و فى هذا دلالة على ان هذا الموضوع كان من أهم أدوار السيرة النبوية فى العهد المدنى ، أو أهمها " 2 .


1 عن القرآن ، ص 62 .
2 العرب و الاسلام ، ص 42 .