٢٤٠ معجزة القرآن

الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و كفى بالله شهيدا " ( الفتح 28 ) . ان معنى الجهاد كله لإظهار الاسلام " على الدين كله " ، و هو شهادة الله بصحة الاسلام . هذه الغاية المزدوجة ، الظهور و الشهادة ، هى شريعة الجهاد و فلسفته و صوفيته . و لذلك يركز الدعوة فى العهد الأخير عليها ، فيكرر : " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ، ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون " ! ( الصف 9 ) . و يختم حياته الجهادية بقوله : " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون "( التوبة 33 ) . فالجهاد كان لإظهار الاسلام على الدين كله ، على كره من الجميع ، و هو آية محمد الكبرى ( الفتح 28 ) .

لذلك فالذين يدعون ان الجهاد انما كان للدفاع فقط ، فهم يتجاهلون أو يجهلون صريح القرآن و تطور شريعة الجهاد . لقد تطورت شريعة الجهاد من الدفاع الى الهجوم : " تقاتلونهم أو يسلمون " ( الفتح 16 ) ، " ليظهره على الدين كله " ( الفتح 28 ، الصف 9 ، التوبة 33 ) .

 إن غاية الهجرة النبوية الى المدينة ، و جمع الانصار و المهاجرين ، إنما كانت لفرض الاسلام بالسيف على أهل مكة و العرب : " و كانت مهمة النبى ، و هو يهاجر واضحة : و هى أن يكره قريشا ( و من ورائهاالعرب على الاسلام بالسيف " 1

هذه هى شريعة الجهاد و الحرب فى القرآن . و كل أطوارها تنقض المبدأ الموقوت الذى وضع حين الضعف : " لا اكراه فى الدين " ( البقرة 256 ) . إن شريعة القتال القرآنية هى عين الاكراه فى الدين و تؤيدها شرعة قتل المرتد عن الاسلام : " و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر " ( البقرة 217 ) .

فشريعة الجهاد القرآنية صورة عن " نبى الملحمة " . هل يفرض الله دينه على الناس فرضا ؟ و إذا كان ذلك ، فماذا يبقى الحرية الانسانية ؟ و ماذا يكون من مبدإ التكليف ، و من مبدإ الجزاء ؟ فهل فى شيريعة الجهاد القرآنية صورة كاملة للاعجاز فى الشخصية النبوية ؟


1 محمد صبيح : عن الثرآن ، ص 62 .
معجزة القرآن ٢٤١

ثانيا : صدى شريعة الجهاد فى نفوس المسلمين

إن أهوال شريعة الجهاد القرآنية تظهر آثارها فى نفوس المسلمين أنفسهم .

الأثر الأول هو الكره الذى رافق الشريعة منذ سنها : " كتب عليكم القتال و هو كره لكم " ( البقرة 216 ) . إن العرب الذين كانوا يعيشون علة الغزو و السبى كانوا أول من استفظع شريعة الجهاد و القتال ، و تقبلوها مرغمين .

 الأثر الثانى و هو الخوف منها : " فلما كتب عليهم القتال ، إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ، أو أشد خشية . و قالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال ؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب ؟ " ( النساء 77 ) . لقد نزلت عليهم شريعة القتال نزول الصاعقة ! و حال الناس المنافقين كانت أشد هلعا: " و يقول الذين آمنوا: لولا نُزلت سورة ! فإذا أنزلت سورة محكمة، و ذكر فيها القتال، رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت"(محمد 20) صورة قرآنية رائعة لأهوال شريعة الجهاد فى نفوس العرب و المسلمين عينهم.

الأثر الثالث كان استفظاع الحرب الأهلية بسبب الدين ! يقول فى تهيئة فتح مكة : " يا أيها الذين آمنوا ، لا تتخذوا آباءكم و إخوانكم أولياء ، إن استحبوا الكفر عن الايمان ، و من يتولهم منكم فأولئك هو الظالمون . قل : إن كان آباكم و أبناؤكم و اخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها ، و تجارة تخشون كسادها ، و مساكن ترضونها ، أحب اليكم من الله و رسوله و جهاد فى سبيله ، فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ، و الله لا يهدى القوم الفاسقين " ( التوبة 23 – 24 ) .

علق عليه دروزة 1 : " المتبادر أن النهى الشديد الوارد فى الآيات موجه الى المهاجرين ، و أن الآيات نزلت قبيل الفتح المكى ... و الآيات تدلنا على أن بعض المسلمين المهاجرين كانوا يقاسون أزمات نفسية فى اضطرارهم الى الوقوف من ذوى قرباهم موقف العداء ، و أن بعضهم كان رغم اخلاصه لا يستطيع أن يمنع نفسه من الاستشعار لصلة الرحم ... إذ كان لبعض المهاجرين آباء أو أبناء ما يزالون كفارا فى مكة مندمجين مع أهلها فى موقف العداء من النبى و المسلمين و آبائهم و أبنائهم المهاجرين معه " .


1 سيرة الرسول 2 : 249 .