٢٤٢ معجزة القرآن

و فى هذا الموقف المدنى من الآباء و الأبناء تطور جديد لموقف القرآن المكى منهم فى حسن لمعاشرة و الصحبة و البر بهم ( لقمان 14 – 15 ، العنكبوت 8 ) . فالاسلام يقطع الصلة ما بين لآباء و الأبناء ، إن استحبوا الكفر على الايمان ، و يوجب قتالهم لإظهار دين الله عليهم . و فى هذا كل أهوال الحرب الأهلية بسبب الدين !

إن السيرة النبوية فى المدينة كانت حربا أهلية بسبب الدين : فهل فى واقع الحال كما يشهد القرآن من اعجاز فى الشخصية النبوية ؟

ثالثا : استباحة الحرمات بسبب شريعة الجهاد

1 – من الحرمات عند العرب كان القتال فى الشهر الحرام ، و القتال عند المسجد الحرام . فبدأ بالنهى عن القتال فيهما إلا إذا بدأهم المشركون : " و لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ، كذلك جزاء الكافرين ... " ( البقرة 191 ) ، " الشهر الحرام بالشهر الحرام ، و الحرمات قصاص : فمن اعتدى عليكم فاعتدواعليه بمثل ما اعتدى عليكم " ( البقرة 194 ) . تباح الحرمات قصاصا لمقابلة العدوان بمثله . إنها الشريعة التوراتية ، العين بالعين ، و السن بالسن !

لكن تطورت الشريعة الى الاستباحة المطلقة فى إعلاء الاسلام : " يسألونك عن الشهر الحرام : قتال فيه ؟ = قل : قتال فيه كبير ! و صد عن سبيل الله ، و كفر به و المسجد الحرام ، و اخراج أهله منه ، أكبر عند الله ، و الفتنة أكبر من القتل " ! ( البقرة 217 ) . يستبيح القتال فى الشهر الحرام ، و عند المسجد الحرام لثلاثة أسباب : الصد عن الاسلام ، و إرغام المسلمين على الهجرة ، و محاولة فتنتهم عن دينهم .

2 – و من الحرمات عند العرب و غير العرب حفظ العهود فى عدم الاقتتال . فنزلت البراءة من العهد مع المشركين : " براءة من الله و رسوله الى الذين عاهدتم من المشركين ( 1 ) : فسيحوا فى الارض أربعة أشهر ، و اعلموا أنكم غير مجزى الله و أن الله مخزى الكافرين ( 2 ) – و أذان من الله و رسوله الى الناس يوم الحج الأكبر ان الله برىء من المشركين و رسوله : فإن تبتم فهو خير لكم ، و إن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله ، و بشر الذين كفروا بعذاب أليم ( 3 ) إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم

معجزة القرآن ٢٤٣

يظاهروا عليكم أحدا ، فأتموا إليهم عهدهم الى مدتهم ، إن الله يحب المتقين ( 4 ) – فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد ، فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " ( 5 ) ( التوبة ) .

يرتبك المفسرون ارتباكا عظيما فى فهم هذه الآيات . و هذا الارتباك ناجم عن التعارض القائم بين البراءة و بين الأذان فى حق المشركين المعاهدين . وفاتهم أن " الأذان يوم الحج الأكبر " يقطع البراءة المططلقة من المشركين حتى المعاهدين منهم . و القرينة الحاسمة هى الاشهر الأربعة الحرم فى الآية الثانية و الخامسة . فالأذان مقحم على شريعة البراءة المطلقة من المشركين . و ما جاء فى الأذان من الأمر بالوفاء مع المشركين المعاهدين الى مدتهم ، نسخة فى البراءة المطلقة من المشركين حتى المعاهدين منهم . و سياق البراءة هو هذا : " براءة من الله و رسوله الى الذين عاهدتم من المشركين : فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر ، و اعلموا أنكم غير معجزى الله ، و أن الله مخزى الكافرين . فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم ، و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد ، فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، إن الله غفور رحيم " .

تلك البراءة التى تنقض العهد بعدم الاعتداء هى آية السيف ( التوبة 5 ) فى القرآن

قال النحاس فى ( الناسخ و المنسوخ ، ص 265 ) : " نسخ بهذه ماية و ثلاثة عشر موضعا فى القرآن . و قال ابن حزم : نسخ بهذه الآية ماية وأربع عشرة آية ، فى ثمان و أربعين سورة " . و نقل ( الاتقان 2 : 24 ) للسيوطى : " قال ابن العربى ، كل ما فى القرآن من الصفح عن الكفار و التولى وا الإعراض و الكف عنهم منسوخ بآية السيف " ! إن القرآن شرع قتال المشركين العرب حتى يسلموا ، و فى براءة شرع نقض العهد مع المشركين المعاهدين أنفسهم و فرض قتالهم كسائر المشركين العرب حتى يسلموا . و بهذه الشريعة – البراءة ، مع تحريم المسجد الحرام على المشركين ( التوبة 28 ) دانت العرب للاسلام عنوة و اقتدارا .

3 – و كان صلح الحديبية مع مشركى مكة أن لا يمنع من البيت الحرام أحد . فجاءت سورة براءة بتحريم البيت الحرام على المشركين أجمعين : " يا أيها الذين آمنوا ،