٢٤٤ معجزة القرآن

إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " ( التوبة 28 ) . قال النحاس فى ( الناسخ و المنسوخ ، ص 165 ) : " قال أبو جعفر : الآية ناسخة لما كان رسول الله صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحد " .

ففى العرف الدولى ، هل يكفى فارق الدين لنقض المعاهدات ؟

4 – و بعد نصر بدر ووقوع الأسرى من المشركين فى قبضة المسلمين نزل قوله : " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض : تريدون عرض الدنيا ، و الله يريد الآخرة ، و الله عزيز حكيم ! لولا كتاب من الله سببق ، لمسكم فى ما أخذتم عذاب عظيم ! فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ، و اتقوا الله إن الله غفور رحيم " ( الانفال 67 – 69 ) .

جاء فى الزمخشرى و البيضاوى على الآية ( 4 ) من سورة ( محمد ) : " كانت الشريعة الأولى فى الاسلام : قتل الأسرى . ثم عدلها فخير قومه بين قتل الأسير أو المن أو الفداء " .

و فى ( أسباب النزول ) للسيوطى ، بمناسبة أسرى بدر : " استشار النبى صلعم فى الأسارى يوم بدر . فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب اعناقهم !فاعرض عنه . فقام أبو بكر فقال : نرى أن تعفو عنهم و أن تقبل الفداء ، فعفا عنهم و قبل منهم الفداء . فقال عمر ( ما كان لنبى أن يكون له أسرى ) فنزل القرآن بقول عمر ، و أنزل الله : لولا كتاب من الله سبق ... " بمقالة أبى بكر . قال الجلالان : " و قوله : ( ما كلن لنبى أن يكون له أسرى ) منسوخ بقوله : ( فإما منا بعد و إما فداء ) .

لقد تطورت شريعة الأسرى من الاستباحة الى المن أو الفداء .

5 – و هناك حالة ثالثة وارد غير المن أو الفداء : هى استرقاق الأسرى . قال : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق . فإما منا بعد ، و إما فداء ، حتى تضع الحرب أوزارها " ( محمد 4 ) .

علق دروزة 1 : " قد احتوت تقريرا لمبدإ تشريعى عام : إذا جعل أمر الأسرى للنبى صلعم بعد أن تنتهى المعركة ، فإما أن يسرحهم عفوا و منا فداء ، و إما أن يستوفى منهم الفدية و يسرحهم . و مما يلفت النظر أنه ليس فى هذا المبدإ استرقاق للأسرى . مع ان


1 سيرة الرسول 2 : 254 .
معجزة القرآن ٢٤٥

بعض الروايات ذكرت أن النبى صلعم ذهب الى استرقاق سبى هوزان و انه استرق سبى بنى قريظة و باعه . و عدم احتواء المبدإ القرآنى تشريع الاسترقاق يجعلنا نتوقف فى التسليم بالروايات ، إلا أن يكون ما ذكرته – إذا صحت – كان قبل نزول الآية ، و من قبيل الاجتهاد المستمد من العرف العام السائد فى عصر النبى و فى مختلف البيئات . أو من قبيل التفسير النبوى لما سكتت عنه الآية ، و هو مصير الذين لا يطلق سراحهم منا و لا يفتدون أنفسهم " .

و فات الاستاذ أن استرقاق سبى هوزان كان بعد غزوة حنين و بعد سورة ( محمد أو القتال ) بزمن بعيد .

6 – و ظل القرآن كله يمنع الجدال إلا بالتى هى أحسن مع أهل الكتاب – إلا الذين ظلموا منهم أى اليهود – حتى آخر العهد بالمدينة . و فى آخر سورة نزلت قبل ( براءة ) أو فى زمنها ، ( المائدة ) كان النصارى أهل " المودة ) حتى النهاية . و إذا بالقرآن كله يختتم بالأمر بقتال النصارى مع أهل الكتاب" حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ) ( براءة 29 ) . أجل لا يشرع عليهم القتال أو الاسلام مثل المشركين ، أنما يشرع عليهم القتال حتى الخضوع لدولة الاسلام ، كى " لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان " 1 . لكن بهذه الآية الأخيرة نسخ القرآن فى المعاملة " بالتى هى أحسن " أى الأمر المتواتر : " و قولوا : آما بالذى أنزل الينا و أنزل اليكم و إلهنا و إلهكم واحد ، و نحن له مسلمون " ( العنكبوت 46 ) أى التنزيل واحد و الاله واحد و الاسلام واحد –مع أهل " المودة " حتى النهاية ( المائدة 82 ) . و على هذه الآية ، من دون القرآن كله ، سار التاريخ الاسلامى كله .

فهل فى استباحة الحرمات ، بسبب شريعة الجهاد ، اعجاز فى الشخصية النبوية ؟

رابعا : الاغتيالات السياسية ، نتيجة شريعة الجهاد

بالهجرة الى المدينة تحول الدين الى دولة دينية ! يقول عمر فروخ 2 : " الاسلام دولة ، فى المدينة أصبح الاسلام دينا و دولة معا . فبدأت قواعد الدولة الاسلامية بالرسوخ . و أخذ الرسول يهتم بالأسس الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و العلمية التى يجب أن تقوم عليها الدولة " .


1 السيرة ، لابن هشام 3 : 368 .
2 السيرة ، لابن هشام 4 : 266 .