٢٤٨ معجزة القرآن

أصحاب القليب من قريش ... و رجع الى المدينة ، فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهن ! فقال رسول الله : من لى بابن الأشرف ؟ فتصدى له أبو نائلة سلكان ابن سلامة ، أخو كعب من الرضاعة ، فى نفر ، و قد " مشى معهم رسول الله الى بقيع الفرقد ثم وجههم فقال : انطلقوا على اسم الله ، اللهم أعنهم " . و رجع . فقصدوا خيبر فى الليل ، و احتالوا على كعب فأخرجوه من داره ، و تماشوا معه بعيدا عن الحصن ، و ضربوه ضربة رجل واحد . و رجعوا الى محمد " و هو قائم يصلى . فسلمنا عليه ، فخرج الينا . فأخبرناه بقتل عدو الله " . 1

و هكذا قتلت الأوس ، بأمر محمد ، كعب بن الأشرف حليف الخزرج .

12 – فاستأذن الخزرج الرسول فى قتل سلام بن أبى الحقيق ، حليف الأوس . فأذن لهم . و أمر عليهم فى قتله عبد الله بن عتيك . ففعلوا .

13 – و قال رسول الله : " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ! فوثب محيصة ابن مسعود على ابن سنينة ، رجل من تجار يهود كان يلابسهم و يبايعهم ، فقتله ! فلامه أخوه . فقال لأخيه : و الله لقد أمرنى بقتله من لو أمرنى بقتلك لضربت عنقك " !

14 – و تفاقم نفاق ابن أبى ، زعيم المدينة . " فخطب رسول الله صلعم الناس فقال : من لى بمن يؤذينى ؟ و يجمع فى بيته من يؤذينى ؟ " . و اختلف الأوس و الخزرج فى قتله فئتين . فأنقذه اختلافهم من القتل . 2

15 – قبل فتح مكة ، " كان رسول الله صلعم قد عهد الى امرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم أمربقتلهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة ! منهم : عبد الله بن سعد لأنه كان قد أسلم و كان يكتب الوحى لرسول الله صلعم فارتد مشركا راجعا الى قريش . و كانت له قينتان ، فرتنى و صاحبتها . و كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلعم فأمر بقتلهما معه . و الحويرث بن نقيذ بن وهب بن قصى ، و كان ممن يؤذيه بمكة . و سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب ، و كانت سارة ممن يؤذيه بمكة . و عكرمة بن أبى جهل " – ابن عمه . 3


1 السيرة ، لابن هشام 3 : 54 .
2 السيوطى : أسباب نزول الآية 87 من سورة النساء .
3 السيرة ، لابن هشام 4 : 51 – 52 .
معجزة القرآن ٢٤٩

" و كتب بجبير بن زهير بن أبى سلمى الى أخيه كعب يخبره أن رسول الله صلعم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه و يؤذيه ، و أن من بقى من شعراء قريش قد هربوا فى كل وجه . فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلعم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا . و ان أنت لم تفعل فانج إلى نجائك فى الأرض " 1 . فنظم قصيدته ( بانت سعاد ) و جاء مسلما ليسلم .

– فأين هذا كله من عفو المسيح لصالبيه ، و هو على الصليب ، على ما يرويه الانجيل : " يا أبتاه اغفر لهم ، فإنهم لا يدركون ما يفعلون " ! فأين الأعجاز فى الشخصية النبوية ؟

خامسا : الشبهات على شريعة الجهاد فى القرآن

كانت الهجرة الى المدينة ، و ما تبعها من شريعة الجهاد و القتال ، انقلابا فى الرسول و الرسالة ، و انقلابا فى الدعوة و الدين .

1 – انقلاب النبوة الى إمارة

لقد لاحظ المؤرخون المسلمون الانقلاب العميق فى سيرة النبى العربى ، بعد الهجرة الى المدينة . قال حسين هيكل 2 . " هنا يبدأ الدور السياسى ... و هذا الدور من حياة الرسول لم يسبقه اليه نبى أو رسول . فقد كان عيسى ، و كان موسى ، و كان من سبقهما من الأنبياء ، يقفون عند الدعوة الدينية يبلغونها للناس من طريق الجدل ، و من طريق المعجزة . ثم يتركون لمن بعدهم من الساسة و ذوى السلطان أن ينشروا هذه الدعوة بالمقدرة السياسية ، و بالدفاع عن حرية ايمان الناس بها ... و كذلك أمر سائر الأديان فى شرق العالم و غربه . فأما محمد فقد أراد الله أن يتم نشر الإسلام و انتصار كلمة الحق على يديه ، و أن يكون الرسول و السياسى و المجاهد و الفاتح " .

هذه الظاهرة الفريدة ، فى تاريخ النبوة و الدين ، تعنى انقلاب النبوة الى إمارة . فالنبوة تأسيس دين ، لا تكوين دولة ! و النبوة رسالة السماء ، لا سياسة الدنيا !


1 السيرة ، لابن هشام 4 : 144 .
2 حياة محمد ، ص 190 .