٢٦٤ معجزة القرآن

" القرآن " الذى نزل فى " شهر رمضان " . هذا كان " أمرا من عندنا : إنا كنا مرسلين " ( الدخان 5 ) . و تعبير " القرآن " يعنى قراءة الكتاب و " تفصيل الكتاب " .

و الشواهد متواترة مترادفة فى القرآن على ان " القرآن " الذى نزل فى رؤيا غار حراء كان " أمرا " لا كتابا كقوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " معهم ( النمل 91 – 92 ) و كقوله : " إنما أمرت ان اعبد الله و لا أشرك به ؟ إليه أدعو و اليه مآب " ( الرعد 36 ) . هذا هو موضوع رؤيا غار حراء ، فى ليلة مباركة ، ليلة القدر ، من شهر رمضان ، حيث كان محمد معتكفا يصوم و يصلى على عادة الرهبان ، و على طريقة استاذه ورقة بن نوفل ، قس مكة و حنيفها الأكبر فى التحنف و الاعتكاف للصوم و الصلاة .

و تكشف لنا سورة الشورى موضوع هذا الأمر الربانى : " و ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا – أو من وراء حجاب – أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ، إنه على حكيم : و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ، ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان ، و لكن جعلناه ، نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و إنك لتهدى الى صراط مستقيم ، صراط الله " ( 51 – 53 ).

ان " روحا من أمرنا " يعنى روحا من عالم الأمر اى ملاكا . و الملاك الرسول " يوحى بإذنه ( تعالى ) ما يشاء " : فالوحى يأتى مباشرة من الملاك ، لا من الله ، لذلك يقول : " و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا " . و التعبير عن الارسال بالوحى دليل على انها رؤيا فى المنام ، لا رؤية فى اليقظة . و موضوع هذه الرؤيا صريح : انه هداية الى الايمان بالكتاب ، لأن الله جعله نورا يهدى به من يشاء ، و الملاك يؤكد له أنه " يهدى الى صراط مستقيم " . " و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " حيث دين ابراهيم و مموسى و عيسى الذى شرعه للعرب ( الشورى 13 و 15 ) .

فرؤيا محمد كانت " أمرا " بالكتاب ، و الانضمام النهائى الى " المسلمين " من قبله ، و تلاوة " قرآن " الكتاب الذى معهم على العرب . فليس فيها تنزيل كتاب جديد على الاطلاق . هذا هو الواقع القرآنى .

و الملاحظة الحاسمة أن القرآن لا يذكر لمحمد من اتصال بملاك الوحى ، إلا فى هاتين التنزلتين من رؤيا غار حراء . و القرآن العربى كله ينتسب الى هذه الرؤيا ، فى ليلة مباركة ، هى ليلة القدر ، من شهر رمضان .

معجزة القرآن ٢٦٥

فمعنى النبوة عند محمد ، بنص القرآن القاطع ، هو الأمر بالايمان بالكتاب : " و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) ، و الدعوة له على طريقة " المسلمين " من قبله ( النمل 91 ) اى النصارى من بنى اسرائيل ، و قسمهم الأكبر ورقة بن نوفل ، استاذ محمد ، الذى كاد ينتحر عند وفاة معلمه . إنها نبوة هداية لدعوة قائمة ، تزعمها و فرضها على العرب .

بحث ثان

صفات النبى محمد فى القرآن

كثيرا ما يصف القرآن محمدا ، و يسميه " النبى " و " الرسول " و بما أن تعابير الوحى و التنزيل من متشابهات القرآن ، فإنها لا تقطع بمعنى محدود لتعابير " النبى و " الرسول " . و هذا يلجئنا الى تحديد معناهما من القرآئن القرآنية .

أولا : صفات عامة

الصفة المتواترة انه نذير و بشير بالوعد و الوعيد : " و ما أرسلناك إلا مبشرا و نذيرا " ( الفرقان 56 ) ، " إنا أرسلناك بالحق بشيرا و نذيرا : و إن من أمة ، إلا خلا فيها نذير " ( فاطر 24 ) – فهو نذير مثل كل نذير فى كل أمة .

و يكرر : " قل : إنما أنت منذر ، و ما من إله إلا الواحد القهار " ( ص 65 ) ، " ألا تعبدوا إلا الله ، إننى لكم منه نذير و بشير " ( هود 2 ) . لذلك يقول : ليس عليه تقديم معجزة لهم لأن المعجزة شيمة الأنبياء الأولين ، أما هو فليس سوى منذر : " و يقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه – إنما أنت منذر ، و لكل قوم هاد " ( الرعد 7 ) . فهو نبى و رسول بصفة منذر هاد كما لكل قوم هاد ، فهو لا يتميز عن سائر الهداة من كل قوم . فهو يصف نفسه بميزة كل هاد فى كل قوم ، لا بصفة النبى فى الكتاب ، الذى يؤيد نبوته بمعجزة .