٢٦٦ معجزة القرآن

إن محمدا هو نبى و رسول بصفة الشاهد و الداعى الى الله : " يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا ، و داعيا الى الله بإذنه ، و سراجا منيرا " ( الاحزاب 45 – 46 ) . لاحظ كيف يجمع صفة المبشر و النذير الى صفة الشاهد فالداعى الى الله . و لاحظ دقة التعبير : " و داعيا الى الله بإذنه " ، فهو يدعو الى الله ، " بإذنه " لا بكتاب منزل مباشرة من عنده .

فنبوءته شهادة : " إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا " ( الفتح 8 ) فهو شاهد كما فى كل أمة شاهد عليها : " و يوم نبعث فى كل أمة شهيدا عليهم من انفسهم ، و جئنا بك شهيدا على هؤلاء " . و يضيف : " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء ، و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين " ( النحل 89 ) . ان " المسلمين " فى لغة القرآن ليسوا جماعة محمد من العرب ، بل النصارى من بنى اسرائيل الذين أمر بالانضمام اليهم ( النحل 89 ) : فالكتاب الذى " أنزل " عليه هو هدى و بشرى اى توراة و انجيل للمسلمين ، النصارى من بنى اسرائيل – و هذا إشارة الى " لقاء " الكتاب فلا يكن فى مرية من ذلك ( السجدة 23 ) . و تنزيل آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ، بشيرا و نذيرا " ( فصلت 1 – 4 ) . إنه بشير و نذير " بتفصيل الكتاب " الذى فيه تنزيل الرحمان الرحيم .

فنبوءة محمد إنذار ، و ذكر ، و شهادة ، بتفصيل الكتاب القدسى قرآنا عربيا . لذلك فالقرآن العربى هو " تفصيل الكتاب " و تصديقه بين العرب ( يونس 37 ) . إنه دعوة الى الله " بإذنه " تعالى ، الذى " شرع " للعرب دين موسى و عيسى دينا واحدا ( الشورى 13 ) .

ثانيا : صفات ثلاث تصف النبى العربى

1 – " النبى الأمى "

" الذين يتبعون الرسول ، النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل ... قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا – فآمنوا بالله و رسوله ، النبى الأمى ، الذى يؤمن بالله و كلمته ( كلماته ) و اتبعوه لعلكم تهتدون . و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( الاعراف 157 – 159 ) .

معجزة القرآن ٢٦٧

" الأمى " اصطلاح قرآنى يعنى من " الأميين " الذين ليس لهم كتاب منزل .

نلاحظ أولا انها صفة وحيدة فريدة فى القرآن لا ترد إلا فى هذا النص . و من اسلوب القرآن تواتر الصفة بشكل مضطرد .

ثانيا ان قصة " النبى الأمى " تقطع سياق قصص موسى ( 102 – 161 ) و الاقحام صريح ظاهر : فقوم موسى يطلبون الى الله : " و اكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة ، و قى الآخرة ، أنا هدنا اليك " ( 156 ) فيجيب : " سأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون – الذين يتبعون الرسول النبى الأمى " . ففى ختام الآية ( 156 ) الجواب على طلبهم ، و لكن لا يعقل ان يجيب الله على سؤال قوم موسى بأن الحسنة لقوم محمد بعد ألفى سنة !

فقصة " النبى الأمى " مقحمة على السورة و حديث موسى .

يؤيد الاقحام اقحام ثان : " النبى الأمى الذى يؤمن بالله و كلمته " ( 158 ) و هى قراءة أصح من قراءة " و كلماته " – صفة " النبى الأمى " ايمانه بالله و المسيح كلمة الله : و لا يعقل ان يرد هذا فى جواب الله على سؤال قوم موسى .

و يؤيده اقحام ثالث : " و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( 159 ) ، و هو مثل قوله : " فآمنت طائفة من بنى اسرائيل ( بالمسيح ) و كفرت طائفة " ( الصف 14 ) . فالأمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق و به يعدلون هم طائفة من بنى اسرائيل التى آمنت بالمسيح . و ما دخل هذا فى سياق حديث موسى مع ربه ؟

و النتيجة الحاسمة لهذا الواقع القرآنى ان حديث " النبى الأمى " دخيل على السورة ، و هذا الاقحام المفضوح دليل على انه دخيل على القرآن .

و البرهان على ذلك من القرآن نفسه : " النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة و الانجيل " ، فهو ينسب الى التوراة و الانجيل انهما يقولان بمجىء " النبى " الموعود من " الأميين " غير أهل الكتاب . مع ان القرآن نفسه يحصر النبوة فى أهل الكتاب من ذرية اسحاق و يعقوب ، و لا يشرك فيها ذرية اسماعيل بن ابراهيم . يقول : " ووهبنا له اسحاق و يعقوب و جعلنا فى ذريته النبوة و الكتاب " ( العنكبوت 27 ) . فالنبوة و الكتاب