ولم يكن أيضا أول من تكلم في التوحيد ، بين المفكرين
العرب ، إذ قد سبقه إلى ذلك : "فيلسوف العرب"
، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ، المتوفي نحو سنة 873
م .
ولكن ، إن لم يكن له فضل الأولوية ، إذ قد عاش قرناً
بعد الكندي ، فله فضل التبحّر في الموضوع والتعمّق فيه
والاستقصاء . فهو ، بلا جدال ، أول من أفرد بحثا شافيا
شاملا عن معنى الواحد ، طبقا لفلسفة أرسطوطاليس ، على
ما نعلم .
وأغلب الظن أنه لم يكن يدري برسالة الكندي "في
افتراق المِلَل في التوحيد" ، عندما ألّف مقالته
في التوحيد ، سنة 328ﻫ . وإلا ، لكان ردّ عليها ، أو أشار
إليها ، ولم يكن ينتظر 22 سنة للرد عليها . وإنما نرجّح
أنه وجد رسالة الكندي نحو سنة 350ﻫ ، فردّ عليها فوراً
، كعادته .
ب – مقالة يحيى في التوحيد ورسالة أبي رائطة التكريتي
وإذا قارنّا مقالة يحيى بن عدي في التوحيد بما جاء في
رسالة أبي رائطة التكريتي ، أُسقف السريان ، الذي كتب
مؤلفاته بين سنة 813 م وسنة 827 م49 ، أدركنا
علوّ شأن يحيى . مع العلم أن أبا رائطة لم يكن يجهل الفلسفة
، إذ كان هو نفسه ناقلا لمؤلفات اليونان إلى اللغة العربية
، على ما ذكر ابن النديم50.
قال أبو رائطة للمسلمين ، في مقالته في التثليث : "فهل
تقولون إن الواحد يُقال إلا على ثلاثة أوجه : "إما
في الجنس ، وإما في النوع ، وإما في العدد ؟"51.
|