و"الرد على الكندي" دفاع عن التثليث ، وعن
مذهب النصرانية . لذلك تكثر فيه الألفاظ المسيحية ، مثل
"الآب والابن والروح القدس" ، ولفظة "النصارى"
، والألفاظ اللاهوتية مثل "أقانيم" ، الخ .
أما "المقالة في التوحيد" فلا تمس موضوع التثليث
، فهي بحث فلسفي محض .
لذلك ، لا تجد "الرد على الكندي" وبقية المقالات
اللاهوتية ، إلا في المخطوطات المسيحية . بينما رأينا
، في الفصل الرابع من هذا البحث ، أن "المقالة في
التوحيد" وصلت إلينا عن طريقين مستقلين : أحدهما
إسلامي فارسي ، والآخر مسيحي قبطي .
فالرد على الكندي بحث لاهوتي يعتمد على الفلسفة . بينما
"المقالة في التوحيد" بحث فلسفي ذو هدف لاهوتي
، يعرض فيه المؤلف معاني الواحد عرضا مستفيضا ، ثم يحاول
تحديد المعنى (من هذه المعاني العديدة) الذي يصح تطبيقه
على البارئ تعالى .
وإن كان المؤلف قد توصّل إلى أن معنى الواحد في البارئ
هو ما كان واحدا من جهة وكثيرا من جهة أخرى ، إلا أن هذه
(في نظره) حقيقة فلسفية يتوصل إليها ضرورة كل من تبع طريقة
أرسطوطاليس .
2 – المقالة في التوحيد تعتمد على أرسطو ومفسريه
ذكرنا ، في صدر هذا الكتاب ، رأي المستشرق بيرييه ،
حيث يقول : "إنه من الممكن مقابلة كل جملة من المقالة
في التوحيد بجملة تقابلها مستمدة من كتاب "ما بعد
الطبيعة" لأرسطو ، أو من كتاب "السماع الطبيعي"
له"17.
وقد أشرنا إلى بعض هذه المراجع الأرسطوطالية في الحواشي
التي وضعناها على نص يحيى بن عدي18. ولا شك
أن الأخصائيين يستطيعون إضافة عشرات المراجع على تلك التي
ذكرناها .
أما الآن ، فنريد الإشارة إلى ظاهرة أخرى . وهي تأثير
مفسري أرسطو (لا أرسطو فقط) على يحيى بن عدي . بل
نعتقد أن يحيى قرأ أرسطو من خلال هؤلاء المفسرين ، لا
سيّما يحيى النَحْوي والإسكندر الأفروديسي . نضرب هنا
مثالين على ذلك ، للدلالة على أهمية مفسري أرسطو في فكر
يحيى بن عدي .
أ – في رقم 161 ، عندما أراد يحيى أن يعطي مثلا
على "الواحد بالحد" ، قال :
|