إن الرب يسوع المسيح فى طاعته لإرادة أبيه، قد أعطاه وصية غالية لكى يحفظها " وهذه مشيئة الآب الذى أرسلنى أن كل ما أعطانى لا أتلف منه شيئاً " ( يوحنا ٦‏:٣٩ ).

فكيف يتسنى للبعض أن يتحدثوا عن احتمال هلاك أحد من خاصته، وفى ذات الوقت لا يرون الجانب الآخر من الموضوع، أفليس ذلك معناه أن المسيح ليس أميناً تماماً تجاه إرادة أبيه؟ آه إن تلك الأفكار المهينه للمسيح لن تجد مكانها فى أى قلب عرف المسيح واحبه - ذلك " القدوس " " والحق ". لتسمع كلماته لأبيه: " الذين أعطيتنى حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب " ( يوحنا ١٧‏:١٢ ). وأيضاًَ " إن الذين أعطيتنى لم أُ هلك منهم أحداً " ( يوحنا ١٨‏:٩ ). لا، فإن رئيس خلاصنا العظيم يأتى بأبناء كثيرين إلى المجد " ، فليس هناك أى عجز فى تتميم مقاصد الآب تجاههم، وعندما يحيطون به هناك، فإنه يمكنه أن يقول، دون استثناء: " ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله " ( عبرانيين ٢‏:١٣ )، فلن يفقد أحد، ولا حتى الأضعف، بل يأتى بهم جميعاً هناك ممجدين.

ولكن ألم يقل الكتاب أننا قد نسقط من النعمة؟ نعم، من النعمة كمبدأ للبركة للمباينة مع مبدأ الناموس. يكتب الرسول للغلاطيين هكذا: " قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة " * ( غلاطية ٥‏:٤ ).

إن النعمة تعنى عطفاً ممنوحاً لمن لاس يستحق، ولما


* " يامن تريدون التبرير عن طريق الشريعة، قد حُرمتم المسيح وتخليتم عن النعمة! " ( ترجمة كتاب الحياة ).

كانت نعمة الله تتجه بعطف غير محدود من جانبه، دون أى استحقاق فينا، فإننا لا نجد فى كلمة الله تقريباً، تعبيرات تحمل الغيرة والتشدد من جانب الله تجاه أولئك الذين ينتهكون نعمته، فيطرحونها جانباً. وبذلك فإنهم يستبعدون أحلى السمات التى تميز النعمة ليستبدلونها ببعض الاستحقاقات البشرية، ويظنون أنهم بذلك يباركون من الله.

خذ مثلاً حالة جيحزى، فى أيام أليشع. أى نعمة هذه، حتى أن قائد جيش آرام، وهو من ألد أعداء اسرائيل الأقوياء يأتى إلى نبى اسرائيل للشفاء والتطهير. وعندما انكسر تماماً أمام طرق الله التى أعدها للبركة، نال ما كان يطلبه. وتتعظم النعمة مضاعفاً إذا تأملنا إلى تلك الفتاة الصغيرة المسبية من اليهود وكانت تخدم فى بيته، فهى كانت حلقة الاتصال بين نعمان السريانى ونبى اسرائيل أليشع. فهذه الفتاة المسروقة من اسرائيل، والتى تشهد بعظم الظلم والشر الواقع عليها هى بعينها التى قدمت العون والإحسان له. بل وأكثرمن ذلك أن نبى اسرائيل رفض أن يأخذ عملة أو ثياباً مقابل البركة التى نالها نعمان. فما قيمة كل ممتلكات هذا القائد الأبرص - كل ثيابه ومجده لا تقدر أن تشترى بها هذه البركة. ففى أرض اسرائيل لا تُعد هذه الأشياء تساوى شيئاً - إنها " نعمة فوق نعمة " ، ولعل أليشع فكر بأن نعمان سيعود إلى سوريا ويقول، كل ما عندى لا قيمة له. لقد قاومت اسرائيل واضطهدتها كثيراً وكل ما أخذته معى هناك لأنال به البركة لم يفيدنى شيئاً. حتى الخطاب الذى أخذته من ملك سوريا إلى ملك اسرائيل لم ينفع. والعشر وزنات من الفضة والستة آلاف قطعة ( شاقل ) ذهب والعشر حلل ثياب أعود بها. أما الشىء الوحيد الذى لم أرجع به هو نجاسة البرص، إذ تركتها فى أعماق نهر الأردن. ياله من أمر عجيب!.

٧٢     ٧٣