ولكن لنتتبع ماذا حدث. وآأسفاه على جيحزى الذى أفسد هذه البركة. إذ سرق ثمرة النعمة السماوية وزهرتها الحلوة. وليس لهذا معنى بخلاف سطوة الجسد. وهكذا طلب جيحزى ( وزنة فضة وحلتى ثياب ) وهكذا كذب على سيده، وشوه شهادة النعمة، وأظهر الله غضبه الذى استمر بعد موته، وتعتبر هذه العقوبة من أشد العقوبات الصارمة الواردة فى الكتاب. " فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد ".

نعود إلى الغلاطيين، فهى الرسالة الوحيدة بين أسفار العهد الجديد، التى ينتهرهم فيها الرسول بولس بشدة أكثر من كل القديسين الآخرين الذين يخاطبهم، لقد بدأوا بالنعمة ولكنهم يتقهقرون إلى الاستحقاق الشخصى. " أهكذا أنتم أغبياء؟ " يقول الرسول، " أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون بالجسد؟ " ( غلاطية ٣‏:٣ ). إنها النعمة التى يجب أن تبقى كل الطريق، ولا نقدر أن نمزج بين " الناموس " " والنعمة ". ولا يمكن أن تصبح " سيناء " مقترنه بأورشليم التى هى سماوية. " وابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة ".

إنك لا تقدر أن تقف على أساس استحقاق آخر ثم تنتهى باستحقاقك أنت. ولا يمكنك أن تنال البركة بالنعمة وتحتفظ بها باستحقاقك.

وإليك هذا المثل البسيط للتوضيح:

رجل أعمال ثرى أراد أن يتبنى طفلاً شريداً، فوجد فى الطريق العام ولداً فقيراً ذى ثياب رثة، فأدخله إلى منزله وألبسه

ثوباً جديداً بحسب مركزه الجديد وبذل أقصى جهد ممكن لكى يشعره بالسعادة، ووجد الولد كل الظروف الحسنة فى هذا البيت الجديد وهكذا نجح الرجل فى هذا العمل نجاحاً عظيماً.

وفى أحدى الأيام أبدى الرجل الثرى اندهاشه، عندما رأى الولد فى قاع المخزن مرتدياً معطفه ومريلته وفى رجليه حذاء أسود يلبسه وقت العمل.

- ماذا تفعل هنا يا ابنى؟
- إن واحداً قال لى - يا سيدى - إن الذى يقدر مكانه ومركزه الجديد فعليه أن يقوم بعمل شىء لكى يحفظ مكانه هنا. أما إذا فشلت فى هذا العمل فلابد من طردى من هذا المكان، وأرجع مرة أخرى إلى حالتى الأولى كمنبوذ تائه فى الشوارع. وأنا لا أريد أن هذا يحدث معى. لذلك فكرت أن أبدأ بعمل شىء لكى تقتنع بأن تبقينى هنا.

والآن فإن هذا الولد قد سقط من النعمة بحسب ما فى المثل من معنى، فإن النعمة قد أحضرته ووضعته فى البيت كإبن، دون أى مطلب أو استحقاق. ولكنه نزل إلى المخزن السفلى واتخذ مكان الخدم لكى يحتفظ بتلك البركات التى يقدرها جيداً.

هذا ما فعله الغلاطيون، فالنعمة منحتهم أسمى البركات. التبنى مع التمتع بهذه العلاقة بروح التبنى الذى أُرسل إلى قلوبهم، وبه صاروا ورثة أيضاً. وبدلاً من البقاء فى الحرية التى وضعهم فيها المسيح، فإنهم كانوا يسعون إلى الكمال بالجسد لكى ينالوا التبرير بالناموس ( أنظر غلاطية ٣‏:٣ ، ٥‏:١ – ٤ ). وبكلمات أخرى سقطوا من النعمة.

٧٤     ٧٥